Atwasat

الانتخابات كبش العيد!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 28 سبتمبر 2021, 09:59 صباحا
أحمد الفيتوري

فيما أذكر، أني قرأتُ قصة للكاتب الصادق النيهوم، تدور حول ليبي ابتغى ووكد دخول الجنة، فيما صديقه يسخر منه قائلا: طمع إبليس في الجنة. الليبي المبتغي الجنة، عرف أن ثمة طريقة واحدة، لبلوغه الهدف، وطريقا أحدا، وقد اقترب عيد الأضحى: أن يضحى بكبش، ليس كمثله كبش. لهذا عصب حبلا على البطن، حتى كاد أن يموت جوعا، واضطر أيضا، إلى طرد زوجته إلى بيت أهلها، حتى تمكن من مراده الكبش. ما عند شرائه، ركبه كما بغلا عند رأس الشارع، ممسكا بقرنيه كمقود، ثم به دخل آمنا بيته. غب العيد، للأسف، مات الليبي المبتغي الجنة، في المساء بعد دفنه مباشرة، كان يركب الكبش بزهو واختيال، متشمتا في صديقه، فهو عند باب الجنة. لكن جهنم، بقوة حرارتها، أيقظته من أحلامه.

راودتني قصة النيهوم هذه بغتة، وقد كنت مغمورا، بسيل من التوكيدات الليبية، فالجيران عن قرب وعن بعد، وخاصة التوكيد الدولي: أن الحل النهائي، فصل الانتخابات. وقد تلفت شرقا، فوجدت مثل هذه التوكيدات، كما تطال الانتخابات الليبية، تطال أيضا الانتخابات العراقية، أي أن الانتخابات في هذه الحالة: البلسم الشافي، طوق النجاة. ولم أجد إجماعا كما ذا الإجماع، على أن حلّ المسألة الليبية، وتجاوزها حال الحلّ اللا حلّ، ممكن وتحت اليد: الصندوق عابر كل الاحتمالات، قبعة الساحر ما تخرج الأرنب.

كما تابع المتابعون، هذه التوكيدات القطعية، توكدوا من تأجيل كل مسائل المسألة، إلى ما بعد الانتخابات، ما كامن فيها الإجراءات اللازمة، للخلاص من المشاكل الصعبة والسهلة. وحتى ما تردد مؤخرا، من أن روسيا الدولة الكبرى، حجر عثرة كأداء، حيث لا تعترف بأي تواجد في ليبيا، حتى هذا ممكن اجتيازه بالصندوق. وأيضا حتى إن ذهبنا من هذا، إلى ما صرحت به وزير الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، أثناء زيارتها لروسيا، من احتمال تأجيل الانتخابات. ومن هذا الاحتمال إلى ما صرح به، رئيس مجلس الرئاسة محمد المنفي، أثناء تواجده بنيويورك، لحضور جلسات الجمعية العمومية للأمم المتحدة: حول لا معقولية أن تكون ثمة انتخابات، دون أسس قانونية، ووفاق حولها، وسبل لتنفيذها فالقبول بنتائجها.

وفي رواية أخرى للنيهوم، أن جحا الليبي وضع البيض في سلة واحدة، أو هكذا دبر-عليه- في ليل، فما تدبر أمره من تونس الجارة، التي وضع فيها الغنوشي: الدستور أمام العربة، ودون لجام المحكمة الدستورية، فتغدى به من أراد أن يتعشى بهم. وكذا الحاصل مع الجارة الجزائر، ما أعادت الكرّ، فيما السودان دون كهرباء، تتلمس طريقها في ظلام دامس. هكذا الليبي، من يحيا مفردا في كوكب المريخ، ليس له من سبيل إلا السبيل المغربي، بكفالة أمريكية، مرجحة من إجماع دولي ليس كمثله شيء.

وفي وسط هذا الإجماع، يلعب الليبيون، المُسيطرون على الأرض، دور الانقسام، ويخوضون لإجل ذلك، حرب السلام، بعد أن سكتت المدافع، وهم بهذا وكأنهم قادرون، على عرقلة مسيرة الانتخابات، التي يدفع إليها الأمريكيون، وخلفهم حلفاء كُثر من الإقليم والعالم، ويجيء هذا في ظرف مميز، حيث ثمة تفاهامات بين الخصوم السابقين، مثل ما يحدث بين مصر وتركيا، وهما كما هو معرف، الطرفان الفاعلان في المسألة الليبية، وفي السياق يعمل الليبيون لأول مرة، على تلييب، المؤتمرات الدولية الكثيرة التي تعقد حول ليبيا، وذلك بعقد مؤتمر دولي بطرابلس، في أول أكتوبر، وهم بهذا يجمعون كل الممثلين، على خشبة الحدث.

فيكون المختصر المفيد: تكثر المراهنات في مسألة الانتخبات الليبية، لكن رغم ذلك، من لزوم ما يلزم، أن تكون ليبيا، كما المغرب حتى دون مقومات. حيث كما يبدو، أن ليس لليبيين غير هذه الروشته، بعد الاختلاف حول تشخيص المرض ومسبباته. فإن هذا الدواء العلقم غير موكد الشفاء، لكن دونه الموت، فالكل متوكد بهلاك ليبيا، من غير تجربة الانتخابات. وحتى وإن كان ليس ثمة يقين، من إمكان الانتخابات، لكن اليقين، أن ليس بالإمكان أبدع من الانتخابات. فلسان الحال: أجمل ما في الحياة، أن أوهامنا معنا، أوكما يقول الشاعرمفتاح العماري:

ماذا نصنع بهذا الرماد
بالشوارع التي تذبل تحت نعالنا
هل يكفي
أن نتحسس أعناقنا
ثم نختبيء خلف السرير عاريين
لنهتف معا
ما أجمل الحياة
لأن أوهامنا معنا
لأن قبلاتنا لحظة أن نخاف
تظل جديرة بنا
هل يكفي
أن يفقد أحدنا أظفاره
لكي يحفر ظلا هزيلا لأسراره الباردة
ثم نهتف:
ما أجمل الحياة .