Atwasat

عودة ليبيا المستقبل

نورالدين خليفة النمر الخميس 09 سبتمبر 2021, 08:57 صباحا
نورالدين خليفة النمر

يغُض المتابعون طرفهم عن مسار الثورة الليبية، من الانطلاقة في 17 فبراير إلى 23 أكتوبر 2011 بإعلان تحرير ليبيا من الدكتاتورية الفوضوية. فيهملون عنصر إعلام المعارضة الذي واكبها، ودوره إلى جانب أدوار أخرى في إنجاحها. منهجياً يتوخي المقال التفريق بين موقع المعارضة وموقع المعارض. ونعني موقع ليبيا المستقبل الذي عاد، بعد توقفه في شهر يوليو 2017 إلى المشهد الليبي من جديد.

سؤال الغرابة: كيف تعود ليبيا المستقبل؟، وهو المنتظر في حكم الغيب. ولكن الماضي يتنبأ به كما في الآية القرآنية الحاسمة "الم.غُلِبَتِ الرُّومُ"، والحاضر يُرهص له أملاً نستناه خيرٌ من أن نتمناه. نعود إلى عام 1992 إذ تبدأ سردية إقامتي في ألمانيا موفداً لإكمال التخصص لدرجة الدكتوراة في دراسة الفلسفة، لكني ككاتب سياسي بالقوة، لم أفكر ولم أكتب بالفعل، من عام 1997 إلى 2011 في أي موقع ليبي.لا لجبهة معارضة ولا لمعارض بشخصه. لأني لست معارضاً، ولم أفكر يوماً أن أكون معارضاً سياسياً. ورغم دراستي للعلوم السياسية في ألمانيا وتحصلي على شهادة ماجستير من جامعة أولدنبورغ فيها. ولكني درستها مضطراً كعلم أعادل بشهادتها شهادتي الأصيلة في الفلسفة، ليتاح لي كتابة أطروحتي للدكتوراة في الأبستمولوجيا ومعناها "الخطاب الفلسفي المؤسس للعلم". المفارقة أن الفيلسوف النمساوي-الإنكليزي كارل بوبر أحد أبرز المؤسسين لفلسفة العلوم، الذي عكفت وقتها على قراءة كتبه، شغلته السياسة فكتب فيها عام 1945: "المجتمع المفتوح وأعداؤه"؛ والذي اكتسب من خلاله شهرة عالمية ككاتب سياسي. وعلى مجموع نشاطه في فلسفة العلوم والفلسفة الاجتماعية والسياسية حصل في عام 1965 على لقب "سير "من ملكة بريطانيا.

درست اللغة في المعهد الثقافي المُسمى على الشاعر غوتة ببادغودسبرغ الضاحية التي توجد بها أغلب سفارات الدول ماقبل توحيد ألمانيا في العاصمة بون، كان عاماً ثقيلاً على نفسي مثل فيه إلى جانب ضواغط أخرى الماضي الذي لابسته المواجهة بين المعارضين الليبيين والنظام الدكتاتوري الساقط عام 2011 في جادة "بيتهوفن آليه"موقع المكتب الشعبي الليبي في الضاحية المذكورة الذي صُير بداية ثمانينيات القرن الـ 20 بدل سفارة مكتباً يربط العلاقة بين الشعوب وليس الدول، لتتسرب تحت لافتته فرق التصفية الجسدية فتكون إحدى أبرز مهامه مطاردة المناوئين لدكتاتورية النظام، الذين صنفهم في بيانات لجانه الثورية بأعداء الثورة في الخارج، بل سك لهم تعريفاً قدحياً بوصفهم بـ "الكلاب الضالة"

الهروب من هذا الماضي العنفي الذي لازالت حتى عام 1992 بصماته النفسية تظلل المكان، هو مادفعني إلى اختيار بقعة، في شمال ألمانيا أنكفيء فيها على ذاتي في مدينة جامعية هي "أولدنبورغ"القريبة إلى مدينة "بريمن" والتابعة إدارياُ إلى مدينة "هانوفر"، وذات يوم زارني شخصٌ من العاصمة بون وفي يده مجلة الوسط السعودية. احتوت خبراً: أن سياسيا ليبياً يعمل مستشاراُ لسلطنة عُمان، كانت له صلات إمريكية عبر شركات البترول، في ستينيات القرن الـ 20 قابل بعد زيارته لوشنطن ليبين في أوروبا وأخبرهم رؤية المسؤولين الأميركان بأن يتعايشوا مع النظام الذي يسيطر على ليبيا، وأن ليس هناك مسعى قريب لتغييره. أظلمت الدنيا في عيني. وأشعت عندما أخبرني خريف عام 1997الليبي المبعوث مثلي ولكن لدراسة الكمبيوتر أن موقعاً ليبيا إعلاميا معارضاً ينشر مواده باسم "ليبيا وطننا" صار متاحاً باللغة الأنجليزية، وسألني عن أسماء بأسمائهم يكتبون فيه فأجبته: عن اسمين: الموصوم بالمعارض الذي بسبب رئاسته لاتحاد الطلاب فرع الولايات المتحدة الآميركية شارك باسمهم كمراقب لمظاهرات يناير 1976، وألقى محاضرة في مدرّج الشاعر رفيق المهدوي استدعى فيها للذاكرة مظاهرات يناير الطلابية عام 1964 مُضاهياً عفويتها بقرينتها في عام 1976
قمع النظام الحراك الطلابي بحدث الـ 7 من أبريل 1976 فتم إدراج اسمه في قوائم المطرودين وإيقاف منحته الدراسية. أما الثاني طالب الهندسة في جامعة طرابلس، الذي صار مهندس بترول جيّر لقلمه الحمولة الرمزية لإسم أبيه معارضاً للملكية ووزيراً للوحدة والخارجية في أول حكومة مدنية بعد انقلاب 1 سبتمبر 1969 العسكري على الملكية ، ليقضى في حادث إسقاط الطائرة المدنية الليبية من قبل المقاتلات الإسرائيلية في صحراء سيناء فبراير عام 1973. تاريخ الأب لم يشفع لابنه من أن يطاله لأشهر اعتقال الثورة الثقافية 1973 الحدث الممهد لحدث الـ 7 من أبريل الحدثان اللذان أولدا المعارضة الليبية في خارج ليبيا

تواقت إنشاء موقع ليبيا وطننا عام 1998مع بدء مساعي النظام الليبي في احتواء المعارضة مبتدئاً بالموجودين بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد تكللت هذه المساعي باحتواء المذكورين. إذ يصيّر النظام المعارض الأوّل وزيراً للهجرة وألتقي به في مؤتمر للمغتربين الليبيين ببرلين عام 2008، فيتحاشاني لأني ذّكرته بمحاضرته "إمجودة والمنطق الرياضي" التي ألقاها على أسماعنا عام 1976. أما المعارض الثاني فقد التحق في السنوات الأولى من الألفية بمشروع “ليبيا الغد” باسم نجل الدكتاتور، واسترد أملاك العائلة ووضع لافتة كبيرة في بنغازي تعلن بدءه في البناء من جديد.

بعد أشهر بدأ موقع ليبيا وطننا النشر باللغة العربية وصار للمعارضة الليبية وطننا. بعده، تتالت المواقع "الجبهة الوطنية، الحركة الوطنية الليبية، أخبار ليبيا، جيل ليبيا وموقع (الجماعة) ليبيا اليوم إلخ. إلى أن أُنشيْ في2003 موقع "ليبيا المستقبل" فانفتحت صفحته باسم مؤسسه المعارض، بعد صفحات المعارضة أحزاب وجبهات.

بعكس ليبيا المستقبل، التي صارت فضاءً للمعارضة الليبية بكل أطيافها، فإن ليبيا وطننا تحت اسمها، تسرب أنصار النظام للكتابة فيها، لأن مؤسسه لم يرغب في إعطائه لونا سياسيا واضحا، ماكان امتيازاً للموقع عن غيره من المواقع الليبية الأخرى: القسم الخاض المعنون بملتقى الأدباء والمفكرين والفنانين الليبيين: "المحطة"التي ترجعنا بالذاكرة إلى تلك الصحيفة الحائطية التي كنا نقف في رواق مشجر خلف كلية العلوم بطرابلس عام 1975 لنقرأها. وبسبب هذا النشاط الصحفي الحائطي فإن كاتبها ومُصدرها يطاله الطرد من الجامعة في حدث الـ 7 من أبريل المصير نفسه الذي يطال مؤسس ليبيا المستقبل معيداً في كلية التربية بالبيضاء في شرق ليبيا

ماشدني لبداية موقع "ليبيا المستقبل" قسم المقالات، والأحرى بالذكر والتنويه التعليقات عليها، التي يبديها المعلّقون على المقالات، بل أن معلقين ثابتين تفرغوا لهذه المهمة ولم يكتبوا مقالات طوال سنوات النشر في الموقع. أنا بدأت الكتابة في "ليبيا المستقبل" بتاريخ 17/12/2015 بمقالٍ عنوانه:"الوسيط... وتوصيف المهمّة "وعنيت ممثلية المبعوث الثالث للأمم المتحدة لليبيا. وتوقفت عن النشر به بتوقفه، وكان مقالي الأخير: "ديمقراطية ليبية بلا ديمقراطية" في2017/07/24.عندما تصفحت الأسماء الجديدة ـ القديمة في باب المقالات، لأبحث عن مكان فيه لمقالتي كانت المصادفة أن بدايتي الثانية ظلت موضوعة مقالاتها دائماً الديمقراطية:„خونة الأحزاب، والوصفة الديمقراطية، ويدُ الديمقراطية". ما أدهشني وخامرني بشعور الغرابة أن الكتاب الذين كتبوا في الموقع في أسبوعه الأخير قبل توقفه في يوليو 2017، كأنهم لم يتوقفوا بل ظلوا يكتبون كمن يسير في نومه مسرنماً مسترسلاً من فكرة مقاله السايق إلى الفكرة نفسها في مقاله القادم، الذي يستأنف به موقع ليبيا المستقبل مستقبله.