Atwasat

أفغانستان... إعادة تشكيل الدول

أنور الكبير الأحد 05 سبتمبر 2021, 11:32 صباحا
أنور الكبير

الاستثمار السياسي الاستراتيجي للدول لا يُعَد ناجحاً إلا إذا تأسس على دراسات دقيقه تقودها فرق من الاختصاصيين رفيعي المستوى في شتى مجالات الحياة، لضمان المكاسب طويلة المدى التي لا تقتصر عادة على المكاسب الماديه فقط. وفي هذا النوع من الاستثمار، كلما كان تحقيق الأهداف ممكناً لا يُنظَر إلى تكلفته التي عادةً ما تتجاوز ميزانيات دول... هذه هي قصة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان باختصار.

لا يمكن لعاقل أن يصدق أن أمريكا خسرت أو فشلت أو انهزمت في أفغانستان، فالصراع في المنطقة بين الدول العظمى يتجاوز أفغانستان وإن كانت بوابة مهمه له... وإذا ما رجعنا بذاكرتنا وتصفحنا بعض صفحات العشرين سنه الماضيه نرى أن:

1- خلال فترة التواجد الأمريكي في أفغانستان لمدة عشرين عاماً (2001 - 2021)، كان الرئيس الأمريكي الحالي بايدن، نائباً للرئيس لمدة ثماني سنوات خلالها (2008 - 2016)، ودون أدنى شك، كان مطلعاً اطلاعاً مباشراً على الكثير من المشاريع والأهداف الاستراتيجيه لأمريكا، وقد يكون أحد المخولين صحبة الرئيس باراك أوباما بتحديد ومتابعة العديد من هذا النوع من المشاريع والمصادقه على وضعها موضع التنفيد.

2- عام 1999 ، صدر قرار من الأمم المتحدة يصنف طالبان تنظيماً إرهابياً. وهذا القرار لازال سارياً حتى يومنا هذا... وفجأة انقلب تصنيف طالبان حسب المعايير الأمريكيه من ( تنظيمٍ إرهابي) إلى (حركة)؟؟.. وأصبحت طالبان، في وضح النهار وأمام العلن، ممثلاً لأفغانستان على طاولة المفاوضات قبالة الفريق الأمريكي المفاوض وصارت الواجهة الرسمية والطرف المخول بعقد الاتفاق النهائي للمفاوضات من الجانب الأفغاني؟؟.. ولكن لا ننسى أن هذه المفاوضات كانت نتيجة اتصالات سرية طويلة سابقة؟؟.

3- تكلفة تواجد أمريكا في أفغانستان لمدة عشرين سنه بلغت 300 مليون دولار يومياً، وخلال الأسابيع القليلة الماضية، تم إجلاء أكثر من 120 ألف أمريكي من أفغانستان (كلمة الرئيس الأمريكي 31. 8. 2021). هذه الأرقام تدل دون أي شك على أن مردود الاستثمار السياسي الاستراتيجي لأمريكا في المنطقه يفوق التكلفة الفلكيه الماضية منها والمستقبلية.

4- عدم اكتراث أمريكا لحليفها الأوروبي الذي عبر من خلال تصريحات مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي (جوزيب بوريل) عن امتعاض أوروبي ممزوج بمرارة الخذلان الأمريكي للاتحاد الأوروبي، بسبب انفراد واشنطن باتخاد قرار الانسحاب، دون التنسيق مع أوروبا في إجلاء مواطنيها، والتخوف من أعداد اللاجئين المتوقع خروجها من أفغانستان.

أفغانستان ليست إلا السيناريو الثاني في مشروع الهيمنة الأمريكيه على العالم، بعد أن شارف السيناريو الأمريكي الأول على الانتهاء والمسمى ( الشرق الأوسط الجديد) الذي صرحت به علناً وزيرة الخارجية الأمريكيه السابقة ( كونداليزا رايس) والذي يبدو أنه تم تعديله فيما بعد ليشمل دول شمال أفريقيا... وحتماًإن اتفاق حركة طالبان وأمريكا في الدوحة يتضمن الكثير والكثير من البنود السرية، قد تتجاوز ما أُعلِن عنه، التي تؤسس لأهداف جيوبوليتكس بعيدة المدى تتجاوز أفغانستان، وقد لخصها الرئيس الأمريكي بايدن في كلمته (31. 8. 2021) حيث قال بكل جراءة ووضوح وثقة:
هذا الانسحاب لايعني أفغانستان فقط، بل هو نهاية حقبة الحروب العسكرية الكبرى لإعادة تشكيل الدول..؟؟؟

هذه الكلمات تلخص أهداف السيناريو الثاني للاستثمار السياسي الاستراتيجي المستهدف، مما تجعل من حديثنا عن قيمة وأهمية ثروات أفغانستان من ليثيوم، ونيكل ... إلخ، التي ستكون جُلها في أيدي الشركات الاجنبيه، لا طائل منه.

ليبيا
ليبيا قادمة على انتخابات في ديسمبر القادم، وتداعيات ماحدث وسيحدث في أفغانستان خلال الأشهر القادمة سيكون له تأثير مباشر على ليبيا.

فالناظر بعين فاحصة للدول المشاركه في الوصول إلى انسحاب أمريكي من أفغانستان، وتقديم المساعدات التقنية واللوجستيه لحركه طالبان، إضافه إلى بعثة أممية، ودول عظمى، ودول شقيقة، ودول مُطبِعة.... جميعها لها مصالح مشتركة ومتشابكة ومتناقضة، وليبيا ليست استثناء، فصراعاتهم في ليبيا قد تؤدي إلى ما لايحمد عقباه جرّاء تذبذب تحالفاتهم البينية، وبالتالي اختلاف أطماعهم في ليبيا... كل ذلك يفترض أن يدفع الليبيين لاستعادة دولتهم قبل أن تضيع بين أقدام المتربصين بها.