Atwasat

حَنْظَلِ مُرّ!

صالح الحاراتي الثلاثاء 31 أغسطس 2021, 12:45 مساء
صالح الحاراتي

يقولون أحلى من العسل..
والمقابل لذلك «أمَرّمن العلقم»، والعلقم هو الحنظل، ثمرة ذلك النبات الصحراوى الزاحف وهو
المشابه لنبات البطيخ والمعاكس له فى طعمه ولونه الداخلى؛ حيث مرارة الحنظل تفرض نفسها ووجودها لو حاول أحدنا وصف أمر ما قاس لدرجة المرارة.

وهناك ضرورة للإقرار بأن ليس كل حلو مفيدًا وليس كل مُرّ ضارًا، فالدواء مُرّ المذاق ولكنه مفيد والسكر رغم حلاوته فهو ضار، ومرارة الحنظل صارت (وحدة قياس المرارة) كما صار العسل معيارًا لكل ما كان طعمه حلو المذاق.

(أمَرُّ مِنَ الحَنْظَلِ)، ليست وصفًا لمادة أو شيء مر المذاق فقط ولكن تقال أيضًا كناية عن شدة مرارة الواقع، وهذا ما حدا يومًا ما بالشهيد الفنان الفلسطيني ناجي العلي، لأن يطلق الاسم على صورة الطفل الحاضر في كل رسوماته، حيث قال: «أسميتهُ حَنظَلَة كرمزٍ لِلْمَرَارَةِ»، مضيفًا أن: حنظلة هو بمثابة الأيقونة التي تمثل مرارة الواقع العربى .

أما تراثيًا فقد ذكر عنترة الحنظل في قصيدته التي مطلعها حكم سيوفك في رقاب العذل، وذلك فى معرض حديثه عن عزة نفسه التي حاول والد عبلة تدميرها حين قال:

لا تسقني ماء الحياة بذلة
بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
ماء الحياة بذلة كجهنم
وجهنم بالعز أطيب منزل

ولعل من أشهر العبارات التى تصادفناعبارة (نحن أمام خيارات أحلاها مُرُّ)، فمع انتشار وباء «كورونا» مثلًا وتدابير الحظر صرنا أمام خيارين أحلاهما مُرُّ.. بين الصحة والاقتصاد، فإذا اخترت الأولى بلا تردد، فإن للحكومات معايير أخرى، فتردي الاقتصاد وشلله قد يسبب تبعات عنيفة ليس فقط على قوة الدولة السياسية والاقتصادية، إنما على المجتمع عامة، وقد يؤدي إلى أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل وربما الجائعين أيضًا.. ومن هنا جاءت عبارة أمامنا خيارات أحلاها مر وقس على ذلك من متشابهات الأحوال.

ذاكرتى تستحضر أغنية شعبية

تقول..
فراق الخالة حنظل مُرّ
فراق الخالة.. نار قبالة
ما جربته غير ادالة
حنظل مُرّ..

مرارة الفقد للأم والخالة أمر مؤكد، وعندما مررت بهذا الشعر الشعبى فى أغنية، أعجبنى إيقاعها وموسيقاها وبالقطع المعنى طبعًا.

وأذكر أيضًا من الغناء الشعبى وهو يصف الحال المتناقض ويقول..
مرار العسل واحلاوت المرارة
والحب ما تنفع معاه دبارة
الصقر ولّى بومه...
والمسك وطّا وانثنى للثومة
والعود يتمحقن على القيدومة...
والجدي زر الذيب للمغارة
مرار العسل واحلاوت المرارة

بالقطع هو تعبير عن حال وواقع غير طبيعى وغير واقعى، بالطبع.. وتعبير عن اختلاط وتداخل وتضارب المفاهيم.

أعود للحنظل ومرارة الحنظل، لكى أشير إلى أن له بعض الفوائد، منها استخدم لب الثمار كمسهل في حالات الإمساك المزمن.. كما تستخدم الثمار في الطب الشعبي لعلاج آلام المفاصل والروماتیزم.. ویـستخدم الزیـت المـستخلص مـن البـذور فـي عـلاج الأمـراض الجلدیـة.

وكما أن للحنظل فوائد رغم مرارته فلا مناص من أن نذكر (المُرّ) وهو صَمغُ شجر والمعروف باللبان المرّ الذي له فوائد أيضًا رغم مرارته، ومنها تنشيط وتحسين عمل الجهاز التنفسي، حيث يفيد لبان المرّ في علاج السعال والكحة، ويعتبر اللبان المرّ مضادًا ومزيلًا للاحتقانات التي تحدث في مسالك الأنف، والبلعوم، والرئتين، والقصبة الهوائيّة.

وأخير ونحن فى سياق المُرّ
..أشير إلى عضو مهم بالجسم يحمل اسم «المرارة» وهي كيس عضلي يقع تحت الكبد، مهمته تركيز العصارة الصفراء التي يفرزها الكبد، ثم إفرازها في الأمعاء الدقيقة لتساعد على عملية هضم الدهون الموجودة في الطعام.

ختام هذه السطور هو الإشارة إلى تعبير مشهور وهو
«فقعت لى مرارتى»، أو «مرارتى فاضت» وعادة يستخدم عندما يمر الإنسان بموقف غير مقبول أو خارج عن المألوف ولا يمكن له احتماله.