Atwasat

كورونا دبابة أستاذ الدستور!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 27 يوليو 2021, 11:00 صباحا
أحمد الفيتوري

1-
كتب شاعرٌ تونسي، أن البلاد التي تموت بالقطاعي، أفضل طريقة لإنقاذها تكون الحرب الأهلية، وما أفهمه من هذا: الدعوة إلى الموت الجماعي. هكذا بسهولة مفرطة، يقترح الخروج من المأزق الأكبر، بالحل النهائي وما لا مثيل له. المشكل، أن من يريد تغيير الواقع في يوم، ليس أمامه إلا أن يدمره، وعادة ما يفعل ذلك، الفاشيون والديكتاتور المطلق.

زبدة القول أن الحلّ النهائي، تَرددَ قوله وفعله طوال التاريخ، مقرونا بالمذبحة، ولأنه نهائي فهو عاجل قسري، وفي كلمات قليلة، لا تزيد عن ثلاثة حروف: "موت". لهذا وفي عجل من أمره، اختزل الشاعر دعوته، إلى الحرب الأهلية طريقة.

الشاعر هذا يختزل المسألة، لأن القنوط مسألة رومانتيكية، مرادفها التفاؤل. في الحالين المسألة عاطفية، ما كثيرا تكون وشائجها قوية بالتطرف. وهذا المشترك القوي، ينضح بالخوار، وبالتالي باستبعاد التفكير، واستبداله بالتكفير، ما حتما يعني القتل، أي الاستئصال الحتمي للآخر. هذا لسان حال الشاعر، من حيث التفت، رأى زنقة تلو زنقة، وأن ليس ثمة غير العدو، ومن شابه عدوه ما ظلم.

الجانب السيكولوجي، في المسألة التونسية، يبين فقدان الصلة بالواقع من جهة، ومن أخرى استبعاد العقل، فالشاعر الذي اتخذنا نظرته مدعاة للتأمل، كان أول المعلقين، عبر صفحته على السوشل ميديا، على بيان الرئيس التونسي، أستاذ الدستورمن جمد الدستور، بأن ألغى مفرداته على الأرض. من كان كالشاعر على عجل، نقدر أن خوفه من خوفه مما يحدث، جعله كمن في سباق، لقفز الحواجز، إلى فكرة "الحلّ النهائي".

الشاعر أرادها حربا أهلية، أو على الأقل، هكذا أخذ في تأويل إجراءات الرئيس، والترحيب بنتائجها إلى أقصى درجة. كان الحبر لم يجف بعد، حين ركب الشاعر حصانه، الشاعرالمتخذ حالة الفارس/ المتنبي، تدافع وراءه حشد من شعراء. من بغض النظر عن صلتهم الواقعية بالشعر، دبجوا قصائد مديح فيما جرى، باعتبار أن الحاصل: مجيء غودو، من كانوا في انتظاره، ولهذا لم يمحصوا ولا تفحصوا، الفارس من ينتظرون، جاء كملاك الحق.

وكما يحدث، في الروايات الرومانتيكية، من رعب وهلع ساعة وباء، وكما يحدث في السينما، ساعة يعج الفضاء بالطاعون، كان المشهد التونسي. ما خرج الشاعر منه ببوحه والرئيس ببيانه، كلاهما جاء بالنبأ اليقين، متسربلا بسراب الجائحة، حيث كانت الكورونا، زرقاء اليمامة وبؤس الختام، فالولادة العسيرة، تستل من رحم الموت.

2-
منذ ساعة بث المشهد الأول، في الفيلم التونسي، ما كتب له السيناريو الرئيس أستاذ الدستور، الحبل الذي غزلته النهضة!، كان المتفرج الوحيد: الشعب التونسي المنشطر على نفسه، لكن المعلق الوحيد، كان الشاعر، المفجوع من تفاصيل ما حدث. الأحداث تتابع، والمتابع يملّ من مشاهدة مكرور، فيصرخ لا جديد تحت الشمس.أول نوفمبر 1987م، كنت أتابع عبر التلفزيون كما حاليا، لكن بزانزنة، في سجن الحصان الأسود بطرابلس الغرب.

كان التلفزيون التونسي، نقل افتتاح مهرجان قرطاج السينمائي، وينقل بعض وقائع المهرجان. لم يخطر في البال، الفيلم الجزائري الحاصل مناصفة، على جائزة كان السينمائي:"وقائع سنوات الجمر"، حينما قطع البث، ثم على الشاشة الصعيرة، وخرج رئيس الوزراء، من كان ضابطا من الأمن، قرأ بيانا عدد فيه مواد دستورية، ما تُحتم عليه، الإمساك بزمام كل السلطات في البلاد، بعد مرض الرئيس حد الخرف!.

الحكمة استدعت، استمرار وقائع مهرجان قرطاج السينمائي!، وكان التلفزيون والراديو أيضا يبثان أغاني فيروز الناعمة، منذ لحظة إذاعة البيان، ولأيام عدة بعد، كذلك ظهر بعض الشعراء يلقون قصائدهم، كالشاعر المغفور له "ولاد حمد".