Atwasat

سيرة نائم

أحمد الفيتوري الثلاثاء 08 يونيو 2021, 10:24 صباحا
أحمد الفيتوري

لست أعرف، هل أني أنام رغم أني قليل الصحو، أم أني لا أنام رغم أن شغلي الشاغل أن أنام؟. مرة: الذئب الجريح أخفى عواء وحدته، في عري الصحراء، وفي كاف الجنون أطلق سراح الروح، ولم يجئه النوم مرة.

أنا أغبطها علي أنها ريانة، تبدو وكأنها تنام قريرة القلب. فعلا لا أعرف متى أنام، أفيق عادة عند الحادية عشرة صباحا، أمد يدي إلى الكوميدينو، أراجع سجل الاتصالات أثناء فترة نومي، ، حين اشتريت الموبايل، كنت أظن أنه لن يرن إلا مرة واحدة، هي المكالمة التي أنتظر، عادة أنظر إلى سجل المكالمات التي لم يرد عليها، حيث الجهاز على الاستقبال الصامت طول فترة الرقاد، أو بالأحرى التواجد في السرير.

بعد هذه البداية، أحاول إنهاض روحي من أرقها، بأن أنهض جسدي من منهكاته، أندلف إلى الحمام تحت دش بارد حتى في أيام الصقيع، أسلح بهذا ثوب أرقي، مستفزا البدن كي يوقظ الروح. وأحلق كل يوم، أدعك ما تبقي من أسنان حتى تدمى اللثة، أنعش جلد ما بعد الحلاقة بكولونيا حادة. كل يوم تقريبا ألبس ملابس اليوم، وأرش مزيل العرق، كل يوم يتم هذا، تحت دافع الرغبة في النهوض من نوم مراوغ، كل ما طاردته غاب عني، كل ما انشغلت عنه داهمني كحلم بارد الدم.

على موعد مع حلم لا أحلم به بل أعيشه، أقطع دابر الشارع الرئيس في بنغازي، الشارع ما أسكن يدعى شارع جمال عبد الناصر، في مسافة تستغرقني ساعة زمن أو إلا ربع، أمشي حاملا نعشي، روحي المتغضنة من مراوغة النوم.
أثناء الممشى الطويل، أتسكع فيّ أكثر مما أتسكع، في المارة أو القارة من محلات وأشباهها، في هذا تتشتت نفسي، متشبته بالحلم المتجمد من فعل الاستعادة والتكرار، لا أمله زاد الروح الحلم الذي قاب أرنبة أنفي، كما ذئب أشمها في الأركان الأربعة، وحتى الركن الخامس ما لا يوجد.

بين الحين والآخر يقطع استرسالي مارٌ من الأصدقاء، المعارف، وجه صبوح، حدث مائع، استفزاز يتسكع كما كلب مكلوب، أو عند نادى النصر، تداهمني سيارة تقود سائقها إلي حتف، الأرصفة مؤودة في المدينة لذا كل يوم أولد. بعد ميدان الشجرة أنحرف، مبتغى يجرني من أنفي، شارع الإذاعة، مقهى المنتدى الإذاعي، يكون اليوم فارق نصفه الآخر، وأكون تزوجت التعب وتجاوزتني المتعة.

هكذا كل يوم في المنتدى، أحتسي دون شهية كوب مكياتا دون سكر، كأني أصبغ المرارة كما يصبغ التقي الوضوء. دائرة نقاش اليوم وكل يوم، محاورة بكماء مستهلها كلام يجتر الكلام، عن الكساد والتعب والفقدان، توجع وبكاء أبكم وشكوى، في أيقونات مستعادة حتى الكلل. في المنتدى طارق الشرع ناقد، خليفة فرج كاتب الأغنية وشيطان الضحك منا علينا، محمد الصادق مخرج وممثل مسرحي، أحمد بروين مخرج تلفزيوني وكذا محمود الزردومي، ومثلهما المشاغب عادل الفيتوري والمصور أحمد العريبي، عادل جربوع ومحمود الحاسي - أحيانا- تشكيليان، علي الفلاح كاتب مسرح، مفتاح بوزيد وله أكثر من اسم هاو السينما، أحيانا كثيرة القاص حسن بوسيف، من يأتي كثيرا إلي بنغازي من درنة لأجل الدراسة، كذلك صالح قادربوه شاعر، كما إدريس الطيب من يأتي حينا وآخر، في المكان غير هؤلاء كثير من الرواد، مثل مريم العجيلي الكاتبة وياسمين الممثلة وعلي المصراتي التلفزيوني.

جمع يلعب الشطرنج صباح مساء، جمع يلعب ورق اللعب مساء، ومثلي يلاعب الكلام غارقا في حلم، من تراب وطين وماء، ومكاياتا دون سكر، وجنون وكد، هذا مشهد يطرز صباح كل يوم، ما عدا الجمعة والمناسبات الرسمية والدينية. وأحيانا أتصيد مخيباتي أمام المقهى، أضيع ما تبقي من قواي في مشهد مخاتل، أدخل مرة مبني البريد حيث أنتظر لا شيء، فليس للكاتب من يكاتبه.

كل يوم تقريبا، أنهي نصف نهاري في مقهى المنتدى الإذاعي، زاعما أنه مكتبي حينا، وحينا ثقب الأوزون، ما تنقض شمس قلبي منه عليّ، وهو ملمة أصدقاء؛ حوار، مقالب، تبادل أخبار ومنافع صغيرة، ما جد في الانترنت والكومبيوتر، ما كتب أحدنا أو مثل أو أخرج أو رسم، كل منا يُصدر خيباته للآخر، ويحسده فيما تحقق من أمانيه، إن كان ثمة ما تحقق.
أعود كل يوم، بعد أن يعود آهل المدينة إلي بيوتهم ، قاطعا شارع بنغازي الرئيس، نحو بيتي في حي البركة، ذلك عند الساعة الثالثة بعد الظهر، وحينا نضيف نصف ساعة، أصلُ البيت مستنفدا. فيكون غدائي بعد انتهاء الآخرين من غدائهم، ساعتها أقضي بعض الوقت مع قناة العرب الجزيرة، بنصف يقظة أستمع للأخبار، إن لم يكن ثمة جديد أتلصص علي mbc 2 وبعض من فلم، كثيرا ما تركت هذا إلي مكتبي وجهاز كومبيوتري، أعد مادة مدونة سريب لهذا اليوم .
عند تسلل الشمس إلي بيتها، أكون والصديق القاص عطية الأوجلي نمشي مع الشمس، إلي البحر نقطع معا ما أقطع وحيدا كل صباح. في شارع الكومبيوتر، شارع مصراتة، نأخذ نفسا بالجلوس في مقهى صغير، نتعاطى الكلام والمكياتا: قهوة بحليب زيادة دون سكر. حين نعود مودعين آخر النهار مستقبلين أول الليل نكون عند باب بيتي، أتخطى باب البيت إلى مقهى نت مجاور، هناك أقضي نحب ساعتين أو أكثر مع مدونة سريب، كل ليلة أراجع تعليقات القراء والإيميل، وأضيف مادة اليوم التي كنت جهزتها، كثيرا ما خذلتني التقنية والاتصال الافتراضي بالعالم، حين يفصل الاتصال فيضيع جهدي أدراج النت.

أعود والعود ليس أحمدا إلي البيت، قبيل منتصف الليل، أتعشي ما قسم، وأتفرج أيضا على بخت الليلة من أخبار قناة العربية والحرة. الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، أخطو نحو مكتبي للقراءة والكتابة حتى آذان الفجر.
ساعتها: لست أعرف هل أني أنام رغم أني قليل الصحو، أم أني لا أنام رغم أن شغلي الشاغل أن أنام، مرة الذئب الجريح أخفي عواء وحدته، في عري الصحراء، وفي كاف الجنون أطلق سراح الروح، ولم يجئه النوم مرة. أنا أغبطها علي أنها ريانة، تبدو وكأنها تنام قريرة القلب.