Atwasat

تشاد.. ماذا بعد مقتل الرئيس؟

جمعة بوكليب الخميس 29 أبريل 2021, 03:49 صباحا
جمعة بوكليب

منذ أن نعى الناعي، في العاصمة التشادية أنجامينا، مقتل الرئيس إدريس ديبي إتنو، يوم الثلاثاء الماضي، من جراء جراح أُصيب بها في معركة حربية ضد قوات جبهة التغيير والإصلاح، شمال إنجامينا، حرصتُ على متابعة الحدث وانعكاساته، في وسائل الإعلام البريطانية، والفرنسية الناطقة باللغة الإنجليزية. وما لفت انتباهي هو أن الصحافة البريطانية، قدمت تغطية، تعد متميزة، لحدث سياسي في بلد أفريقي فرانكفوني.

مقتل المشير ديبي، ربما لا يتثير استغراب من لهم صلة معرفة بذلك البلد، وما يدور فيه من صراعات، في منطقة مثل بيت من ورق. وأن ثلاثين عاماً من وجود المشير ديبي على رأس السلطة، لا يعني أن تشاد مستقرة، وأن النظام موطد الأركان، حتى وإن أمتلك قوة عسكرية تعد، مقارنة بجيرانها، جيدة التدريب والتسليح ومجربة، ومشهود لها بالكفاءة. وأن محاولات إسقاط نظامه، من قبل قوات المعارضة، كادت تنجح في التخلص منه، أكثر من مرة، لولا تدخل القوات الفرنسية. في العام 2008 وصلت قواتها إلى أبواب القصر الرئاسي.

ما يثير الاستغراب حقاً، في رأيي، هو قدرته على الصمود والبقاء، طوال عقود ثلاثة، في بلد يقدر عدد سكانه بـ 16 مليون نسمة، ويتواجد به قرابة نصف مليون لاجئ من جمهورية أفريقيا الوسطى، وبحدود مع دول غير مستقرة الأوضاع، وأهداف للجهاديين، ويعاني صراعات قبلية، وانتشار الفساد، وأن 66 % من سكانه يعيشون في فقر، وواحد من كل ثلاثة منهم في حاجة إلى إغاثة إنسانية، وترتيبه 187 من مجموع 189 بلداً في قائمة التنمية الإنسانية الصادرة في بداية العام 2012، وكل ذلك، في وجود ثروة نفطية هائلة.

عقب إعلان مقتله، تولى الجيش الاستيلاء على السلطة بسرعة ملفتة، وكون مجلساً انتقالياً عسكرياً بقيادة ابنه الجنرال محمد كاكا ديبي (37 عاماً)، قام بتجميد الحياة الساسية وحل مجلس النواب، وبفرض حظر تجول في أنحاء البلاد، ووعد بإجراء انتخابات ديمقراطية بعد 18 شهراً.

المجلس الانتقالي حظي بدعم وتأييد فرنسا وقتياً، رغم أن الدستور التشادي ينص على تولي رئيس مجلس النواب الحكم في حالة موت الرئيس. هذا التحرك السريع لبطانة الرئيس في الجيش، تقول تقارير، إنه لقطع الطريق أمام ضباط جيش آخرين للاستيلاء على السلطة. وكان الرئيس الفرنسي الرئيس الأوروبي الوحيد الذي هرع من باريس إلى أنجامينا، لحضور مراسم الجنازة، في خطوة متوقعة، ومعلناً وقوف فرنسا مع حليفتها تشاد ضد زعزعة استقرارها. تشاد، بقيادة المشير الراحل، خلال السنوات الماضية، لعبت دوراً رئيساً في الحرب التي تشنها باريس على الحركات الجهادية النشطة في منطقة الساحل. تلك الحرب أطلق عليها المعلقون السياسيون اسم «أفغانستان فرنسا».

«المحارب الشجاع» كما تطلق فرنسا على الرئيس الراحل ديبي، منذ توليه السلطة العام 1990، فرض نظاماً عسكرياً، بلا هوامش ديمقراطية. ولاحق معارضيه وخصومه بشتى الوسائل وأعنفها، في داخل تشاد وخارجها. وتسبب ذلك في حدوث انشقاقات في داخل النظام، وقضى على المنشقين بعنف. ومن هرب منهم لجؤوا إلى الهروب إلى الصحراء، والبلدان المجاورة، وقادوا فصائل معارضة مسلحة. التقارير الإعلامية الفرنسية تشير إلى أن عديداً من كبار الضباط في الجيش أقترحوا على الرئيس الراحل، في الفترة الأخيرة، قبول الجلوس مع قادة المعارضة، بغرض الوصول إلى وفاق، يعيد الاستقرار والوحدة إلى البلاد، لكن المشير ديبي رفض الاقتراح، وتخلص من أؤلئك الضباط.

«المحارب الشجاع» لم يحارب الفقر والبؤس في تشاد، بمداخيل العوائد النفطية، بل استغلها في شراء أسلحة وعتاد وذخائر، وفي شراء ولاءات كبار الضباط. والتزمت فرنسا الصمت على كل ما كان يرتكبه نظامه من انتهاكات لحقوق الإنسان، مقابل أن يكون إلى جانبها في حربها ضد الجهاديين، والدفاع عن مصالحها المهددة منهم في منطقة الساحل. 5100 عسكري فرنسي، حسب التقارير، يتواجدون في قاعدة عسكرية في تشاد، لذلك الغرض.

الانتخابات الرئاسية السادسة، التي جرت مؤخراً، وفاز بها بنسبة 79 % ، قاطعتها أحزاب المعارضة، نظراً لأن الرئيس الراحل، قام بحملته الانتخابية على أفضل وجه، ثم قام بعدها سريعاً باعلان الإغلاق العام بحجج تجنب انتشار الفيروس الوبائي، وأدى ذلك إلى منع تلك الأحزاب من القيام بحملاتها الانتخابية.

القوات المهاجمة، استناداً إلى جريدة «ذا تايمز» البريطانية، تتبع جبهة التغيير والوفاق، التي تأسست العام 2016، وقيادتها وكوادرها المقاتلة من قبائل القرعان. ووقعت مع المشير حفتر اتفاق عدم اعتداء، وحاربت إلى جانبه، مقابل تزويدها بأسلحة حديثة وعتاد وسيارات دفع رباعي. وقامت قوات فاغنر الروسية بتدريبها في قاعدتين عسكريتين بوسط وجنوب ليبيا. وربما قدمت لهم بعضاً من أجهزتها العسكرية.

مقتل المشير ديبي ليس النهاية، بل بداية لحقبة جديدة، في تشاد، وبتداعيات ستطال الوجود الفرنسي في المنطقة والجيران، ومن ضمنهم بلادنا. وبالتأكيد، ستشجع الحركات الإسلاموية على القيام بمزيد الهجمات، وزعزعة الأمن في المنطقة.
السؤال: هل نشهد قريباً تحول منطقة الساحل إلى مستنقع أفغاني تغرق فيه فرنسا؟