Atwasat

تمظهرات المنديل

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 11 أبريل 2021, 12:01 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

المناديل من المصنوعات اللصيقة بالإنسان في خصوصياته وتدخل في حياته اليومية. وعلاقته بها قديمة. إذ ما من شك أنها ظهرت مع اختراعه الحياكة والنسيج. والمناديل لا ترتبط بالنظافة فقط، ولم يبق استخدامها محصورا بين جدران البيوت. بل أخذت، منذ فترات غابرة، ترافق الإنسان، رجلا كان أو امرأة، خارج البيت في المجال العام. وبذلك ارتبطت، إلى جانب النظافة، وهو الدافع الأولي إلى اختراعها، بالزينة أيضا. ومع ظهور البدل الحديثة أصبح المنديل يوضع على هيئة زينية بالجيب الصغير الخارجي في أعلى السترة.

إلى جانب النظافة والزينة ارتبط المنديل بالجوانب العاطفية. فهو يكفكف الدموع ويلوح به للحبيب والقريب عند السفر، ويتهاداه الأحبة إعرابا عن جيشان عاطفة الحب وحرقة الشوق.

كما اقترب من مجال الحرب فصارت المناديل البيضاء ترفع كراية استسلام أو مسالمة.

منذ بداية صباي كنت حريصا على أن يكون معي منديل قماشي. وقد تورطت بسبب أحد مناديلي مرة في موقف مخجل!.

كنت في السنة السادسة الابتدائية وكنت أدرس بمدرسة مختلطة بسبب عدم وجود مدرسة بنات في المنطقة. في إحدى حصص التربية البدنية طلبت مني زميلة منديلي، الذي كان جديدا ونظيف المظهر، كي تستخدمه الزميلات في لعبة ما. من فرحتي الغامرة بادرت بإعطائها إياه، وبمجرد أن أولتني ظهرها استولى عليَّ الندم، ولم أجرؤ على مناداتها واستعادة المنديل منها. ظللت أسترق النظر إلى ما يجري: فتحن المنديل ففوجئن وكدن يطوحن به بعيدا. وأخذن يتضاحكن. لقد كانت طياته الداخلية ملتصقة بفعل المخاط!.
الغريب أنهن أعدن إلي المنديل في نهاية الحصة، دون أي تعليق!.

لكن منديلا آخر في شبابي عوض غرارة المنديل القديم.
وأرغب في أن أنقل هنا مقطعا يعبر عن جميل هذا المنديل من قصة لي عنوانها "تصفية حساب":

"حين كنا نسير معا في شوارع طرابلس، وهو أمر لم يكن لا يثير الانتباه حينها، كنت تشرعين في البكاء. تنهمر دموعك دون نشيج. لم يكن سبب بكائك ظاهرا، وكنت أحب أن أترك الحزانى لحزنهم، لذا لم أكن أسألك عن سبب بكائك. ربما سألتك ولم تجيبي. لذا لم ألح. ذات مرة منحتك منديلا نظيفا كي تمسحي فيه دموعك. (كنت أحاول حينها الاحتفاظ بمنديل نظيف). اليوم التالي أعدته إلي مغسولا ومكويا، ومعطرا. تغلغل العطر في روحي. ما زال حتى الآن في ذاكرتي وأنفي. كان الطاغي فيه عبق المشمش. أحب عبق المشمش".
نعود إلى دور المناديل العاطفي من حيث هي رسل رغبة في التواصل والوصال بين المحبين.

يبدو أن هذا المنحى اختصت به المجتمعات المحافظة المتشددة التي تمنع التواصل بين الرجال والنساء خارج صلات القرابة المباشرة والزواج. لذا حفلت به الأغاني العربية، وتفنن شعراء الأغنية العرب في التغني بدوره هذا ورصد دلائله ورموزه.
وفي اعتقادي الشخصي، تعتبر أغنية الشاعر الغنائي الليبي الراحل أحمد الحريري، التي غناها المطرب الراحل أيضا سلام قدري، التي يرد فيها:

"منديلها الوردي... تذكارها عندي
وين ننشده عليها... يتنفس افيدي"

من أبلغ، وأرهف، وأعذب الأغاني العربية التي حفلت بالجانب العاطفي للمنديل، إن لم تكن أروعها قاطبة.