Atwasat

أثلج صدورنا

صالح الحاراتي الأحد 04 أبريل 2021, 08:58 صباحا
صالح الحاراتي

"أثْلَجَتِ السَّمَاءُ: نَزَلَ مِنْهَا الثَّلْجُ
أثلجت الأرضُ: سقط عليها الثلج
أثلج صدرَه: سرَّه وطمأنه وفرَّحه
إِثْلاَجُ صَدْرِهِ أَيْ إدْخَالُ السُّرُورِ إِلَى صَدْرِهِ بالأخْبَارِ السَّارَّةِ ".

يقال إن اللغات تتكيف بطريقة ما مع الخصائص البيئية والفيزيائية المختلفة التي تؤدي إلى اختلاف التعبير فى بعض اللغات عن بعض.

ويقال إن مصادر ومعاني وتركيب بعض العبارات المتداولة يتشكَّل بتأثير من البيئة التى يعيش بها الإنسان فتظهر وكأنها على علاقة وطيدة مع الطبيعة المناخية لقائلها أو المتلفظ بها..

لهذ سألت نفسى يومًا.. لماذا يقولون وبالعربية الفصحى إن ذلك الخبر أو ذاك الأمر "أثلج صدري" رغم أننا نعرف أن الثلج لو وضع على الصدر ولمدة قد يؤدي إلى ضرر بالدورة الدموية؛ خاصة للذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية أو ارتفاع ضغط الدم، وذلك لأنّ انخفاض درجة حرارة الجسم بشكلٍ كبير ومفاجيء يعمل على عرقلة الدم في الأوعية الدموية ويبطّيء تدفّق الدم في الجسم، وقد يكون ذلك خطيرًا جدًا لأنه قد يزيد من خطر الإصابة بالجلطات والسكتة القلبية أو السكتة الدماغية.

التبرير الذى يقال هنا هو أن مناخ المنطقة العربية خاصة شبه الجزيرة العربية يتميز بشدة حرارة الجو ولذا فهم أحوج ما يكونون للشعور بالارتياح إلى البرودة، فتستعيراللغة من الثّلج دلالات للفرج ولانشراح الصدر.. ولذا شاع مصطلح إثلاج الصدر، فقالوا: أثلج صدره، وهذا أمر يُثلج الصدر.. إلخ

والملاحظ أيضا أن شدة الحرارة في الصحراء العربية كان لها تأثير حتى على الطقوس الدينية. ومن ذلك نلاحظ عند الدعاء للميت يقولون اللهم أغسله بالماء والثلج والبَرَد
- والبرد هو حب الغمام - اعتقادا أن بردها أسرع لإطفاء حرعذاب النار!!

وهناك مقاربة لتاثير البيئة الحاضنة على الضفة الأخرى موجود أيضا؛ أنا لا أتقن اللغة الفرنسية، لكنى وأنا أتجول فى شوارع الإنترنت قرأت أننا نجد فى اللغة الفرنسية من يقول:
tu m'as réchauffer mon coeur
أي (أسخنت قلبي) أو(أدفأت قلبي)
وذلك عندما تـفعل فيه خيرا.

وأظن أن ذلك أمر يسهل تبريره، لأن الأغلب على الطبيعة الأوروبية البرد وهو عكس ما لدينا فى البيئة العربية، ولذا فأحوج شيء عندهم للشعور بالراحة هو الدفء والحرارة وهذا مثال يظهر تأثير البيئة على اللغة.

وهناك من يقول أيضًا إن اللغة العربية وبنشأتها فى واقع صحراوي قد استعارت الحرّ لوصف الشدائد أيضًا.. لذلك نجد لجهنّم اسمًا آخر هو ”النّار“.. كما نجد أيضًا العبارة المشهورة "كالمستجير من الرمضاء بالنار" في من يحاول الخروج من مأزق فيقع في مأزق أكبر منه، كما ألبست اللغة العربية الحرّ أيضًا على لوعة المحبّين فقال المتنبى:
واحرّ قلباه.. إلخ.
وفى الغناء والشعر الشعبي عندنا نجد (النار) تأتي للتعبير عن حرارة الوجد أو الفقد أو التهاب مشاعر الحب كمفردة متكررة بأشكال عديدة (يا ناري علي) و (يانويرتى)؛ وشاطت في قلبي نيرانه!

الشاهد أن هذا من أمر اللغة في إثلاج الصدر وما يقابله، ولكن على أرض الواقع المعاش ربما سأل سائل: هل هناك ما يثلج الصدر فى مشهدنا الليبى؟.

بالقطع لن يخلو الأمر مما يثلج الصدور رغم أن الواقع لا يخلو مما يدمي القلب، لعل آخرها المقابر الجماعية في "ترهونه" الأمر الذي يستدعي التحقيق لإرساء العدالة.

لكن هناك إيجابيات تثلج الصدر لعل آخرها عودة خطوط الطيران بين شرق البلاد وغربها.. ومنح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية..
ومراسم تسليم السلطة تأكيدا على التداول السلمى للسلطة.. إلخ

وأتمنى المزيد من إثلاج الصدور دونما إفراط..