Atwasat

فـصل القوات الأجنبية

نورالدين خليفة النمر الأحد 28 مارس 2021, 12:14 مساء
نورالدين خليفة النمر

وصل إلى ليبيا في 4 مارس 2021 فريق الأمم المتحدة المتألف من مدنيين غير مسلحين قِوام 11 خبيرًا دوليًّا بطلب شكلي من اللجنة العسكرية الليبية (5+5). وستنحصر مهمته في تحديد مواقع تواجد فريق مراقبين دوليين موسع سيشرف مستقبلًا على تنفيذ وقف إطلاق النار بين طرفي الصراع في ليبيا. ويأتي هذا الإسراع في إرسال الفريق استجابة لمهمة مُلحّة يقتضيها وجود القوات الأجنبية المتماسة في سرت، التي يترافق وجودها بمصيرها المرهون بمباحثات متسارعة لإخراجها قبل الشروع في التفكير في وضع ليبيا على سكة الانتخابات المحتملة في 24 ديسمبر 2021 .

تعمّدت الأمم المتحدة أن تستعيض ببعثة المراقبة الدوليةThe Temporary International Presence ،عن بعثة القوة الدولية المعروفة بقوات القبعات الزُرق United Nations Disengagement Observer .وفي رصيدها تجربتان أفريقيتان مقاربتان إلى حدٍّ ما للتجربة الليبية: الأولى تتعلق بإخراج القوة العسكرية الأجنبية بجمهورية أنغولا، التي أنشأت فيها بعثة للتحقق بدأت في ديسمبر 1988 لرصد انسحاب القوات الكوبية ومعداتها القتالية، طبقا بجدول زمني متفق عليه بين الحكومتين الأنغولية والكوبية الذي اكتمل بحلول 25 مايو 1991. والثانية المتعلقة بطرد المرتزقة التي أنشأتها في الكونغو في يونيه 1960 لضمان انسحاب القوات البلجيكية وإعانة حكومة جمهورية الكونغو على الحفاظ على القانون والنظام وتوفير المساعدة التقنية. ثم عدّلت وظيفة هذه العملية لتنتهي في 1963 لتشمل الحفاظ على السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي للكونغو، ومنع اندلاع الحرب الأهلية وكفالة إجلاء كل الموظفين الأجانب العسكريين وشبه العسكريين والاستشاريين الذين ليسوا تحت إمرة الأمم المتحدة، ونجحت أخيرًا في طرد جميع المرتزقة.

ويبدو أن المهمة محصورة في الأمم المتحدة، وبإدارة أمريكية عن بُعد، ولا يدخل فيها الاتحاد الأوروبي، كمهمة إيريني البحرية، وهذا ماعكسه تصريح الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والشؤون الأمنية في الاتحاد الأوروبي، بأن مراقبة وقف إطلاق النار في خط التماس سرت، لا دور فيها لعملية "إيريني" البحرية المتعلقة بمراقبة تمرير الأسلحة للأطراف الليبية المتنازعة. وهي عملية مراقبة بدأت منذ عام قبل توصل الأطراف الليبية للاتفاق الأخير لوقف إطلاق النار وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، الذي يُستبعد أن الأمم المتحدة ستطلب من الاتحاد الأوروبي، لحساسية الموقف الفرنسي، المشاركة في تنفيذه على الأرض .
المُفارقة في الموضوع أن المراقبة لا تتعلق بقوات ليبية لم تُعد متحاربة؛ بسبب الإنهاك الذي أوصلتها إليه حرب العدوان على العاصمة طرابلس، والدفاع عنها. بل إن المراقبة الأممية تتعلّق بقوات أجنبية ممثلة في القوات التابعة لشركة مرتزقة فاغنر الروسية، التي شاركت مأجورة بتمويل خليجي ميليشيات مُسمى الجيش الليبي في الهجوم، والقوة العسكرية التركية التي تدخلت برّيًّا بطلب من حكومة الوفاق المعترف بها دوليًّا، في إطار اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا.

القوات التي تدخلت بها تركيا وحسمت تراجع الهجوم على طرابلس وإيقافه في سرت، أمر خروجها سيكون مدار مباحثات مرتقبة بين السلطة الليبية الجديدة، مجلسًا رئاسيًّا وحكومة، والحكومة التركية، وستأتي في سياق مراجعة الاتفاقيات التي أبرمت مع حكومة الوفاق، وقد وردت أخبارٌ عن سحب الحكومة التركية طليعة مكونة من 120 مقاتلاًّ وإعادتهم إلى تركيا. تُظهر هذه العلامات أن الحكومة التركية مهيأة بحكم المعطيات الدولية والإقليمية المستجدة لإخراج قواتها. وتبقى المشكلة في القوة المرتزقة المأجورة التابعة لشركة فاغنر الروسية. فبناؤها خندقًا ضخمًا بين سرت والجفرة وسط ليبيا يثير شكوكاً في عدم انسحاب هذه الميليشيا، كما هو وارد في اتفاق السلام الذي توسطت فيه الأمم المتحدة. وانسحابها المؤقت بسبب الجلسة البرلمانية من مطار القرضابية في سرت وعودتها إليه بعد انفضاض الجلسة يدل على عدم احتسابها لأية مسؤولية تجاه الطرف الذي تمثله، وهو ميليشيات مسمى الجيش الليبي الملفقة التي دعتها للمشاركة في الحرب على طرابلس.

سيعزز الانسحاب العسكري التركي المبرمج، الذي بدأ، مكانة الرئاسة الليبية الجديدة وممثلتها حكومة الوحدة الوطنية، في أن تكون محورًا رئيسيًّا للدول الفاعلة في التأثير ودعم العملية السياسية المدنية في ليبيا وأبرزها الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا ما بينه التواصل بين وزارة الخارجية الأمريكية ورئاسة حكومة الوحدة الوطنية، كما جاء في بيان الخارجية الأمريكية الأخير، الذي أكد أن الطرفين شددا على ضرورة التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 23 أكتوبر 2020، بما في ذلك إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا دون تأخير.

في الجهة الليبية المقابلة حيث ما زال مسمى الجيش الليبي يسيطر متكئًا على وجود مرتزقة فاغنر الروسية في خط التماس سرت ـ الجفرة والأخطر دوليًّا في حقول النفط وموانيه، رغم سقوط مبرّارته بهزيمة ميليشياته في عدوانها على العاصمة، لا نجد أيّ تحرّك بخصوص طرد المرتزقة، وأن قيادته تظهر معزولة إزاء الدول حتى التي كانت داعمة لهجومه على العاصمة طرابلس. وهذا ما يبينه تصريح مسؤوليه الذين أكدوا أنهم على علم بوجود اتفاق لترحيل المرتزقة ويعنون القوات التركية، ولفتوا الانتباه إلى أن هذه الخطوة هي محل ترحيب، كونها تستجيب لمطالب ما أسموه بجيشهم الوطني.

إذا أسقطت حكومة الوحدة الوطنية حجة مُسمى الجيش الليبي وقائده، بوجود تركي كقوة أجنبية كانت داعمة لحكومة الوفاق السابقة، في مواجهة هجومه على العاصمة طرابلس، تبقى أمامها بشرعية التحرير التي اكتسبتها أمام المجتمع الدولي أن تضع قائد مسمى الجيش الليبي أمام مسؤوليته كونه جلب مرتزقة باسم شركة فاغنر الروسية، لادولة تمنحها غطاءها لاروسيا التي تنتمي إليها ولا الدولة التي موّلت تأجيرها. وبذلك يكون هامش المناورة أمامه ضيقًا، وماعليه إلا التنصل من وصمة المرتزقة والانضواء تحت تصرف الرئاسة الليبية التي صار قانونيًّا خاضعًا لها، وأن يعي جيّدًا أن المعطيات السياسية الأمريكية المستجدة والأوروبية المتوحدة، غيرّت من مواقف الدول الإقليمية التي دعمت وجود المرتزقة الروس وموّلتهم لحسابه.