Atwasat

رفاق الأمس.. أعداء اليوم!

جمعة بوكليب الأربعاء 03 مارس 2021, 11:54 مساء
جمعة بوكليب

يقول المعلق السياسي البريطاني، أندرو رونسلي، إن أسوأ المعارك السياسية وأكثرها ضراوة ليس بين الخصوم، بل بين رفاق سابقين. وصفحات التاريخ مليئة بالشواهد قديماً وحديثاً. ولعل أسوأ ما نتذكره منها ما فعله جوزيف ستالين برفاقه في الحزب الشيوعي الروسي، خاصة منهم ليون تروتسكي. بل إن أغلبنا في ليبيا لم ينسَ بعد الخصومة بين العقيد معمر القذافي والرائد المرحوم عمر المحيشي والنهاية الماسأوية للأخير. هناك الكثير من العوامل وراء تلك الخصومات، ولا مجال في هذه السطور لتتبعها.

هذا بدوره يقودنا إلى خصومة سياسية جديدة، بين رفيقي نضال بالأمس القريب، اندلعت مؤخراً، أو بالأحرى ظهرت على السطح مؤخراً، وبدأت تلفت الأنظار، وتستحوذ على الاهتمام، لضراوتها، ولما قد تؤدي إليه من نتائج على مصير حزب انفصالي، يقود حركة استقلالية، ونعني بذلك الحزب القومي الاسكتلندي، وهدفه السياسي في قطع ما يشده من خيوط بالاتحاد البريطاني، وإعلان استقلال الأمة الاسكتلندية، واستعادة سيادة مفقودة منذ أكثر من ثلاثة قرون.

المعركة تدور بين السيد أليكس سالموند، الذي قاد الحزب لمدة عشرين عاماً، والسيدة نيكولا ستورجين التي كانت نائبة له لمدة عشر سنوات، ثم تولت خلال السنواب السبع الماضية، قيادة الحزب، وتحملت مواصلة مهام رفع راية الانفصال والاستقلال، وإن لم تنجح، حتى الآن، في تحقيق الهدف الذي اُنتخبت من أجله، وهو إلزام الحكومة البريطانية بعقد استفتاء ثانٍ حول الاستقلال، بعد فوز الاتحاديين بالاستفتاء الأول العام 2014.

الاثنان كانا رفيقي نضال، وتوليا، واحداً إثر آخر، زعامة الحزب ورئاسة الحكومة المحلية. والاثنان مشهود لهما بالكفاءة والذكاء والطموح. والاثنان دخلا منذ فترة في حرب ضد بعضهما لا أحد يقدر على التنبؤ بنتائجها.

سياسيو لندن، يرصدون من أبراج قلعتهم في ويستمنستر، التطورات المتلاحقة الخطيرة في أدنبره، ببهجة وأمل، متمنين أن تقود الحرب إلى وضع نهاية لكابوس أقضّ مضجعهم في السنوات الأخيرة.

الجولة الأولى من الحرب انتهت لصالح السيد سالموند، حين برَّأت المحكمة ساحته، في الفترة الماضية، من ثلاث عشرة تهمة بالتحرش الجنسي. وها هو يعود إلى ميدان الحرب مجدداً، في ساحة البرلمان الاسكتلندي، لتوجيه ضربة قاضية إلى غريمته. يرى البعض، وفي مقدمتهم السيدة ستورجين، أن السيد سالموند يسعى لهدم المعبد على الجميع، في حين أن البعض الآخر لا يجازف بقبول ذلك، ويرى أنه مازال أمام الحزب القومي الاسكتلندي فرصة إنقاذ الموقف. لكن لا أحد بمقدوره التكهن، حالياً، بما ستؤدي إليه الحرب مستقبلاً من نتائج على الحزب، أو على استقلال اسكتلنده.

وفي غياب خريطة خروج من المأزق، تعددت الطرق، وانقسم الحزب إلى معسكرين، وتضاربت الأهداف واختلفت النوايا، وبدأ الاتحاديون، في اسكتلنده وإنجلترا وويلز وشمال أيرلنده، استعداداتهم لإقامة الأفراح: فهل تأتي الرياح بما تشتهي سفنهم؟ ربما. لكن حالياً، ليس عليهم سوى الترقب، وانتظار نهاية 14 عاماً من سيطرة القوميين الاسكتلنديين على الحياة السياسية في اسكتلنده.

وعلى ما يبدو، فإن هذه المدة الطويلة في الحكم، وراء ما يحدث للحزب الانفصالي. فالحزب استناداً لكثير من المعلقين السياسيين، من خلال استحواذه الطويل زمنياً على السلطة، فرض حضوره السياسي على الواقع الاسكتلندي وأعاد تشكيله بما يتفق وأهدافه، بعد أن تقلص حضور الأحزاب الاتحادية: المحافظون والعمال والأحرار الديمقراطيون.

وفرض الحزب، عبر طرق ووسائل عديدة، سيطرته على الأجهزة الحكومية والعاملين بها، وعامل بريبة كل من يتوقع منهم مخالفة توجهاته الاستقلالية، الأمر الذي يعني أن حيادية الجهاز الحكومي ومهنيته لم تعد محل ثقة واعتداد.

يتهم السيد سالموند مسؤولين كباراً في الحزب باشتراكهم في حياكة مؤامرة ضده تهدف إلى تشويه سمعته، والأسوأ سجنه. وفي الجلسة التي عقدتها اللجنة البرلمانية المختصة بالتحقيق بالبرلمان الاسكتلندي، يوم الجمعة الماضي، قدم وثائق تكشف تورط بطانة السيدة ستورجين بقيادة زوجها في العملية. واتهم السيدة ستورجن بتضليل البرلمان الاسكتلندي عن دورها ومعرفتها بالتحقيق الذي قامت به حكومتها في الشكاوى المتعلقة بالتحرش الجنسي.

السيد سالموند، بعد براءته في قضايا التحرش، انتقل بالمعركة إلى طور أو مستوى آخر، ألا وهو الإدانة السياسية لقيادة الحزب، بإعلانه مراراً أن الحواجز القانونية والدستورية الفاصلة بين الحكومة والحزب الحاكم ومكتب النائب العام انمحت، خلال فترة قيادة السيدة ستورجين، ولم يعد لها وجود. السؤال حول تأثيرات المعركة وتداعياتها سلبياً على تقليص الفرص أمام الحزب للفوز بالأغلبية في الانتخابات القادمة في شهر مايو.

ما تنشره استبيانات الرأي العام من نتائج تؤكد أن الانفصاليين الاسكتلنديين لم يخسروا كثيراً من الأصوات بسبب الحرب الناشبة الحالية. ويوضح المعلقون الأسباب بقولهم إن المعارك الانتخابية في اسكتلنده تختلف عن غيرها في المناطق البريطانية الأخرى لكونها قائمة على أساس الهوية. فالناخبون لا تهمهم كفاءة المترشحين أو غيرها من المزايا الأخرى التي يتمتعون بها بقدر ما يهمهم ما لديهم من ولاء لقضية هوية اسكتلندية مستقلة.

ومن المتوقع أن تكرر السيدة ستورجين إنكارها لكل التهم لدى مثولها أمام لجنة التحقيق البرلمانية هذا الأسبوع. لكن ذلك لا يعني أن الإنكار سيؤدي إلى إغلاق ملف القضية، أو إعلان انتهاء الحرب.