Atwasat

وقائع سنوات فبراير (3- 4)

أحمد الفيتوري الثلاثاء 02 مارس 2021, 06:38 صباحا
أحمد الفيتوري

تعنت النظام، وتهديدات سيف الإسلام القذافي، عقب خروج طرابلس متظاهرة ليلة 20 فبراير، لم ينجح في قمع التظاهرات، لكن نجح في تحويل البلاد إلى ساحة حرب. وهذا ما مهد لضرورة التدخل العربي والدولي لحماية المدنيين. الجامعة العربية كان مقرها قد بات في مدينة القاهرة ثورة 25 يناير، كما محفل الربيع العربي، ما انتشر من شمال أفريقيا حتى آسيا والخليج العربي. ذلك حصل في غضون الأيام الأولي لثورة فبراير الليبية، التي حولت مدينة بنغازي إلى عاصمة لها، ونجحت في إعلان مجلس وطني انتقالي يقود الثورة، وفي ضم شخصيات عدة ممن كانوا يتبأون مناصب رفيعة في الدولة...

مجلس وطني انتقالي، ككل مجلس لثورة شعبية، ما من بنيتها أن لا تكون قيادة لها، بدأ عفويا في مساره كما تشكل. ساعتها طبيعة القذافي وشبه نظامه، سارت بالبلاد إلى المسار المتوقع منه، فقد أخذ يصعد حربه لاسترداد ما فقده سلما، لضعف أجهزته الأمنية وترهلها، بعيد ترهل رأس النظام نفسه. وبهذا فإن المجلس الوطني الانتقالي، الذي أنشأ مجلسا تنفيذيا برئاسة محمود جبريل، قد بات منذ اللحظة الاستثنائية التي أنشيء فيها، بمثابة مجلس حرب.

بهذا التصعيد العسكري المضطرد، أيضا فشل القذافي في استعادة السيطرة، وتفاقم وضع المدنيين العزل، ثم وجه القذافي رتلا عسكريا ضخما إلى بنغازي لاستعادتها، ما كان الدافع لتدخل سريع وضربة من قبل قوة جوية فرنسية، لساعات قبل صدور قرار مجلس الأمن، بالتدخل المسلح لحماية المدنيين.

اللحظة الاستثنائية المسمى الربيع العربي آنذاك، وفرت لليبيين مكنة الحماية، الجامعة العربية بإجماع، يحدث لأول مرة في تاريخها، اعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي، وطالبت الأمم المتحدة بحماية المدنيين الليبيين، وعقبها مجلس التعاون الخليجي، الذي منه دولة قطر، ما باتت الداعم العالي الصوت عبر محطة الجزيرة، والمهيمن على الأرض عبر الجماعات الدينية، كالجماعة المقاتلة وجماعة الإخوان، التي تلقت أيضا الدعم مبكرا من تركيا أردوغان، ومن بشير السودان، كما صرح بذلك أحد قيادات أخوان ليبيا حينها.

أصدر مجلس الأمن قرارين متعاقبين في شأن ليبيا عام 2011م هما 1970 ثم 1973 :
ما كفل تدخل قوى دولية في ليبيا، الذي حققه تعنت وطبيعة القذافي وشبه نظامه، المساهم الرئيس قبل في صدور قرارات عدة تمس وضع ليبيا، وحاصرت شعبها، مثلما قرار مجلس الأمن بالحصار الجوي، فيما عرف بقضية لوكربي.

لم تجلب الحرب الأهلية التي أعلنها القذافي، التدخل الدولي فحسب بل وعسكرت ثورة فبراير، وكان قد أطلق القذافي قبيل ثورة فبرايرسراح السجناء، من الجماعة الإسلامية المقاتلة، التي بادرت إلى محاربته وجماعات دينية مماثلة، فالمساهمة بقوة في هذه الحرب وتأجيجها، وعقب اندحار كتائب القذافي الأمنية ومقتله، كثير من مقاتلي هذه الكتائب، انخرطوا في الجماعات الدينية المسلحة.

كانت الأحزاب والمنظمات غير الحكومية والصحافة ممنوعة في ليبيا، ولهذا لن تتمكن النخب السياسية من بلورة تشكيلات سياسية مدنية، تدير شأن البلاد خلال الأشهر التي أعقبت الثورة، وخلال هذه الفترة الوجيزة، وحتى دحر قوات النظام العسكرية بالدعم الدولي، كان المجلس الوطني الانتقالي، يدير البلاد بشكل عفوي وغير منظم. عليه وفي هذه اللحظة الاستثنائية، تمكنت الجماعة المنظمة الوحيدة في البلاد "جماعة الإخوان المسلمين"، من التغلغل في المجلس الوطني الانتقالي ومن ثم محاولة الهيمنة عليه.
ليبيا أساسا تم تدمير أسس الإدارة فيها، بما سمى بالثورة الشعبية التي أطلقها الديكتاتور معمر القذافي في 17 أبريل 1973م، وإعلان الثورة الثقافية، التي عنت سيطرة القذافي على المؤسسات التعليمية والثقافية، وجعلها مؤسسات أيديولوجية تفرخ أتباعا له. وتبعا لذلك حلّ القوات المسلحة، وأعلن الشعب المسلح، وألغى المؤسسات الأمنية، وأسس ما أسماه الأمن الشعبي.

مجتمع اللا دولة هذا، ما حينها نظر له العقيد معمر القذافي، الحاكم المطلق السلطات، وصاحب النظرية العالمية الثالثة والكتاب الأخضر. ونفذ أتباعه نظرته تلك، ما من نتائجها أن ليبيا حين قيام الثورة كانت خارج التاريخ، وتقريبا الجغرافيا أيضا، حيث لا تذكر حتى في النشرات الجوية، في محطات التلفزيون العربية والعالمية!.

ورغم ذلك، فإنه في الفترة التي أعقبت الثورة، وحتى إعلان التحرير في 23 أكتوبر 2011م، نشط المجتمع المدني في إدارة شئون ليبيا، وقام زخم شعبي بالحفاظ على أمنها، حتى أن المحطة الإعلامية الشهيرة البي بي سي، عدت هذا تطورا نوعيا، لأنه انطلق من الصفر، وبهذا كان له السبق في دول الربيع العربي.

غير أن هذا المجتمع المدني المستحدث، لم ولن يستطيع أن ينظم نفسه، ويتبلور كمؤسسة من مؤسسات البلاد بين ساعة وضحاها. خلال مرحلة كانت ليبيا قد تفاقم فيها الصراع على السلطة، مع محاولة الجماعات الدينية المسلحة، السيطرة على ليبيا بالقوة، بقوى المنظمة الدولية للإخوان، وبدعم إقليمي ودولي، وبعد 23 أكتوبر، وإعلان التحرير في بنغازي، بدأت مرحلة أخرى.