Atwasat

ما لا يقال: مفترق طرق..!

عبدالواحد حركات الأحد 21 فبراير 2021, 01:00 صباحا
عبدالواحد حركات

حياة الليبيين مثل بندول يتأرجح باستمرار بين الألم والملل..!
يبدو واقع ليبيا مثل حبكة سردية متقنة ومعقدة، تلعب الأدوار فيها بإتقان ودقة ومكر إياغوي "نسبة لإياغو بمسرحية عطيل" مثير، ويتناوب على الظهور البكاة والشكاة والجناة والقضاة، والمستفزون والمستنفرون والمزعزعون والصراخون والمخربون، والسابحون في الأهواء والواقعيون والمؤدلجون واللامنتمون، وكل يعمل لمبتغاه ووفق رؤاه وأحياناً هواه، فيحدث التعويم والتوهيم والتعتيم والتأزيم والتأليم، وينقب الشعوبيون والكلاموجيون والديماغوجيون عن الفروق والشقوق وأسوأ الرتوق وأوهن الفتوق في الذاكرة وفي الهوية وفي المجتمع ليبرزوها للأعين والأذهان، ويسيجوا بها الفكر والنوايا والأعمال، ليسوقوا الجميع إلى ذات الأقنية ويصلوا إلى ذات المستنقعات..!.

لكنه رغب في من يعذبه..!.
منذ البداية.. أخذت السياسة خطوة متعجلة وغير محسوبة إلى الأمام بأسلوب المواجهة المنخفضة، بدلاً من التراجع خطوة إلى الوراء وإحياء دستور 1963 ميلادي، فلم تحسب العواقب وتتخذ التدابير لعدم وجود فكر داعم للتغيير، كما كان مناخ عدم الثقة هو السائد بين الأطراف السياسية الناشئة، وكانت القدرة التنافسية ضعيفة وغير مستقرة إلى جانب ضعف البنى المؤسساتية وضعف البنية التحتية، التي كانت ستوفر عناءات المواطنين وتخفف مآسيهم، فغياب المواصلات العامة وتهاوى بنى قطاع الصحة وضعف التأهيل في القطاعات الأمنية فاقم الأزمات بشكل كبير..!.

الصدفة ليس لها أم.. ولكنْ لديها أبناء كثر..!.
ينبغي أن نمتلك وعيا وفكرا ومنطقا لنفقه وندرك مدى صعوبة العملية السياسية، خصوصاً عندما يصاحبها إصرار مريب على المضي قدما بغض النظر عن تكلفة هذا المضي بنفس المسار وبذات الاتجاه، وبدون أهداف معلنة ومدروسة وممكنة، وضمن واقع وهْن وضعف وعدم توافق الفئة السياسية غير المؤهلة لرفع أعباء أزمة اجتماعية - سياسية- اقتصادية، وغير القادرة على كشف الرهانات الحقيقية وراء المعركة الاجتماعية السياسية التي تبدو في ظاهرها معركة مقاعد ونفوذ ومصالح، وهي فئة تبدو من الوهلة الأولى عاجزة عن تحقيق توازن ديناميكي واقعي بين فاعلين سياسيين براغماتيين، يتمسكون بهويات مناطقية وعشائرية بديلة عن الهوية الوطنية، وتغفل جهارا حقيقة أن المجتمع لا يمكن بأي حال أن يكون جسماً واحداً، فاختلاف الرؤى والتطلعات والأهداف أمر واقعي وحتمي، لا يفترض أن يقمع باسم الوحدة الشمولية أو أن يكون بديلاً لها، إذ تشير جميع المعطيات إلى ضرورة أن تكون وحدة الوطن تكاملية وليست شمولية..!.

السياسة وساطة ومواجهة وتسوية، وبحث عن ممكن واقعي وقابل للتحقيق..!.
في ليبيا.. العمل السياسي خبط عشواء لا أكثر، فالعملية السياسية برمتها مبنية على شفا جرف هار، فغياب الاستراتيجيات أو ضبابيتها وغموضها وعدم الإفصاح عنها يعد خللاً بنيوياً أساسياً في العملية السياسية، فلا يمكن توجيه وتقييم العملية السياسية أو إصلاحها وضبطها في مسارها الصحيح ما لم تعلن استراتيجياتها للمهتمين بالشأن العام والنشطاء، فالغرق في متابعة وتحقيق أهداف قريبة محددة قد لا تتطابق مع الاستراتيجيات الأساسية كما هو واقع ليبيا، سيؤدي دون شك إلى فصل وعزل مساحات مستقلة للسياسة، مما يربك عمليات التنظيم ويشتت الجهود ويخلق سياسات موازية أو معاكسة تهوي بالعملية السياسية وتحبطها..!.

أيها الساسة "مع التحفظ".. ليبيا ليست كومة شعارات، بل هي الليبيون..!.
يحدث في كثير من الأحيان.. حينما تصل الأزمات إلى مفترق طرق وتفلس وتخفق أطراف الأزمة أو بعضها، أن تلجأ الأطراف إلى المساكنة وخفض سقف المطالب، ولا يكون أمام الجميع سوى العودة اللاطوعية إلى حلبة السياسة، وتبدأ موجة سياسية جديدة يقودها ذوو رؤى جديدة أو ذوو أقنعة براغماتيين..!.

ما يهم ليس من يؤدي لعبة السياسة، بل ما هي اللعبة ذاتها..!؟.
عادة ما تتفق الأطراف ضمنيا على إيقاف تنامي وحركة الأزمة بشرط استمرار دوران محركاتها الأساسية، ويبحث الجميع إما عن مكاسب أو ضمانات ولا أحد يبحث عن تسوية عادلة، وتتحول السياسة إلى فن تحقيق البقاء والاستمرار لذات الأطراف في مستوى صراع وتنابذ وعداء أقل مما كان، إلا أن الاشتراط الأهم هو غياب الشعب وتناسي أن جوهر السياسة ومهمة الساسة هي تحقيق المصلحة العامة..!.

سالماً منعماً وَ غانمَاً مكرماً.. هل أراك..!؟.
أرى أن وضع جدول أعمال للعملية السياسية وتقييمها وفق أهداف ومراحل أجدر من استمرار هدر الوقت وقيمة المواطن، ويفترض أن تكون من أولويات عمل الساسة "مع التحفظ" تنفيذ ديناميات نزع الأيديولوجيات المتضادة، وضمان وصيانة حق الاختلاف كجذر أساسي للديمقراطية والمساواة، وصناعة سياسات ناجعة وعلى مستويات مختلفة من الجهات الفاعلة بدل المركزية والفئوية اللامجدية، فآليات السياسة المحورية انتهت وأصبحت من بدائيات الفكر السياسي، وبالرغم من أن النظام السياسي يعد منطقياً مجموعة فرعية من النظام الاجتماعي، إلا أن إغفال حقيقة أن المجتمع في ليبيا في حالة تفكك وحالة ارتباك بين كونه مجتمعا قبليا بالمعنى الحقيقي للقبيلة أم مجتمعا مدنيا بمعنى الوجود والمسؤولية المستقلة للفرد..!

السياسة المرجوة ينبغي أن تحقق الاستقرار بالدرجة الأولى، ولا يتأتى ذلك دون وضع أسس ونظم وإصدار قوانين تضمن الحقوق وتحقق العدالة وتنفذ العقاب، وبناء الهيكل المؤسساتي للدولة وتمكين السلطات من إنجاز مهامها بتشريعات ولوائح، على أن تتوقف حالة التداخل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، فلا يسمح بوجود سلالم خلفية بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وتكون هنالك محكمة خاصة لمتابعة خروقات وتجاوزات ممثلي السلطة بحق الشعب بوصفه السلطة الأولى التي بيدها تكوين وحل السلطات التشريعية والتنفيذية..!.