Atwasat

مدخل بشأن استعادة الأموال المنهوبة

الهادي بوحمرة الخميس 11 فبراير 2021, 01:26 صباحا
الهادي بوحمرة

مكافحة الفساد لازم من لوازم الإنصاف المجتمعي، وآلية من أليات حماية الحياة السياسية، وسياج لما يمكن أن يكون من تنمية اقتصادية واجتماعية.

واتخاذ الدولة تدابير وقائية علاجية رادعة بشأن حماية المال العام ومكافحة الفساد، وتبني نهج الشفافية، والشروع في تفكيك البنى التي تسمح به وتسهل من غض الطرف عنه، والبعد عن العمومية والانتقال بشأنها من الخطابات النظرية إلى السياسات العملية الواقعية، هي أمور تزرع الطمأنينة، وتسهم في إشباع شعور الناس بالعدالة، وتعزز من شرعية مؤسسات الدولة، وتدعم سلطاتها.

ومع أن مكافحة الفساد تحتاج إلى بناءٍ متينٍ يتعزز مع الزمن، إلا أن الجانب الذي لا يحتمل التأجيل منها هو جانب استرداد الأموال المنهوبة، إذ إن إظهار الإرادة السياسية بشأنه وبلورته في خطط واقعية مبنية على أسس متينة أمر يتصف بالاستعجال، ذلك أن الزمن يساعد على تبديد هذه الأصول أو إخفائها وإضاعة أدلتها، فكلما طال الزمن، زادت عملية الاسترداد تعقيدا.

ومن الملاحظ أن هذه العملية الصعبة، والتي تثير عدة معوقات قانونية وإدارية وتقنية، تشهد تطورا ملحوظا، وتراكما في الخبرات. ومن الأهمية أن يتولى القائمون عليها دراسة تجارب الدول، وتبيّن مواطن نجاحها وإخفاقها، والنتائج التي وصلت إليها، ومراجعة المقارنات التي تمت بينها، وملاحظة التحولات في مواقف الدول؛ بما فيها تلك التي يحسبها الفاسدون ملاذا آمنا؛ وما أصبحت تجنح له من عونٍ بشأن استعادة الأموال إلى أصحابها، ومن تعزيز لقوانين غسل الأموال فيها، وأن يفحصوا بعناية ما تقدمه أطر العمل الدولية المتنوعة والاتفاقيات الثنائية من أمكانيات التعاون بين الجهات المختصة، وأن يعملوا على الاستفادة من المنظمات الدولية التي تنشط في مجال مساعدة الحكومات في تقفي أثر الأصول المنهوبة.

هذه العملية الصعبة الممكنة تبدأ بحسن بناء السلطة التي لها الولاية وبدقة اختيار وتكوين القائمين عليها، فما يحتاجونه من قدرات ومهارات لا توصل إليه طرق ومجالات التكوين التقليدية، إذ لا يكفي مجرد استيعاب القوانين الوطنية، ولا مجرد الإحاطة باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وسبل إنفاذها، فتفعيل التعاون الدولي يحتاج لخبرات، وله متطلبات يجب الاستجابة لها بكل دقة وبراعة، كما أن من لوازم فاعلية عملية الاسترداد إتقان النفاذ إلى الأنظمة القانونية للدول التي توجد بها الأصول المنهوبة، والتمكن من إعمال آلياتها بكفاءة، وهو ما يتطلب فهما دقيقا وواسعا ومعمقا لها، فالمنهج القائم على الاعتماد على إنفاذ القانون الداخلي والوقوف عند ضعف فاعليته والاستسلام لعراقيله هو منهج- غالبا- ما يفضي إلى الفشل، والخطة التي تكتفي بالجمع بين القانون الداخلي وإنفاذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لن تقدم الكثير في مجال استراد الاموال المنهوبة. والتقيد بالتعاون الدولي المؤطر والاستناد بشكل كامل على المساعدات القانونية لم يؤدِ إلى نجاح ملحوظ في مجال الاسترداد، وهو ما تشهد عليه تجارب الدول التي تعرضها عدة دراسات متوافرة بشكل واسع في ثنايا البحوث والدراسات والكتب الورقية والالكترونية.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن المهنية التي يمكن أن تقدم نجاحا ملحوظا في مجال استرداد الأصول المنهوبة يجب أن تذهب إلى أبعد من كل ذلك، فكل واقعة من الوقائع تحتاج إلى فحص خاص وإلى استحداث آليات مناسبة لها، والتي قد لا تكون ملائمة لغيرها. ومن ذلك أن كل قضية من قضايا هذه العملية قد تحتاج لفحص نظام مختلف، وتحديد ما يسمح به قانون الدولة التي توجد بها الأموال من خيارات، ففي حالات يكون خيار الإجراءات الجنائية مناسبا، وفي أخرى يكون الخيار المدني أكثر فاعلية. وفي حالات قد يكون من المناسب العمل على إصدار أوامر قضائية، أو الوصول إلى أحكام إدانة من القضاء الوطني، وفي أخرى قد يكون من المهم الولوج مباشرة للجهات المختصة في الدولة التي توجد بها الأموال، والعمل على استصدار أوامر منها. كما أنه من الوارد أن تكون الفاعلية في إدخال الوقائع في نموذج تجريمي للفساد، في مقابل حالات أخرى تكون فيها الفاعلية كامنة في إدخالها في النموذج التجريمي لغسل الأموال، أو في إخراجها من مسار الإجراءات الجنائية نهائيا، واللجوء بها إلى بدائل أكثر نجاعة، وذلك كله حسب معطيات كل قضية، ووفق نتائج دراسة الأحكام والتقاليد القانونية للدولة التي توجد بها الأموال المراد استردادها.

وفي هذا الإطار، على القائمين- أيضا- إدراك عقبات التعاون الدولي، فكما أنه قد يكون من المناسب الاعتماد على المساعدات القانونية، قد يكون من المناسب تفضيل اللجوء إلى المساعدات غير الرسمية، واتباع سبل غير قضائية، والبحث في إمكانية اللجوء إلى نظرائهم، أو غيرهم بشكل مباشر، واستغلال إمكانيات جهات غير حكومية ولا تتبع السلطة القضائية من أجل تعقب الأصول المنهوبة، وجمع التحريات، والوصول إلى أدلة بشأنها.