Atwasat

السلامة القانونية لترشح رئيس السلطة القضائية

طه بعره الخميس 04 فبراير 2021, 02:34 مساء
طه بعره

بتاريخ 30 يناير 2020 نشرت البعثة الأممية للدعم في ليبيا قائمة المرشحين للمجلس الرئاسي ومنصب رئيس الوزراء، استكمالاً لاستحقاقات ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي ترعاه الأمم المتحدة، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2510 / 2020، الذي صادق على مخرجات مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا، لتشكيل خارطة طريق تكفل إصلاح السلطة التنفيذية وكفالة إجراء انتخابات وطنية وشاملة وديمقراطية.

تباينت الآراء القانونية بشأن ترشح المستشار رئيس المحكمة العليا ورئيس المجلس الأعلى للقضاء لمنصب رئاسة المجلس الرئاسي أعلى هرم السلطة التنفيذية، وكان أكثرها ضجيجاً الرأي القائل بأن القانون رقم (6) لسنة 2006 بشأن نظام القضاء، بموجب مادته (64) قد حظر صراحة على أعضاء الهيئات القضائية الاشتغال بالأعمال السياسية، والقانون رقم (6) لسنة 1982 بشأن تنظيم المحكمة العليا، بموجب مادته (12) قد حظر على المستشار بالمحكمة العليا مزاولة الأعمال التي لا تتفق واستقلال الوظيفة.
وهو ما يستتبع عدم الجمع بين الوظيفتين القضائية والتنفيذية في آن واحد، امتثالاً لاستقلالية السلطة القضائية وحيادها، وهذا ما لا يختلف عليه اثنان..

بيد أن إلباس ذلك تلك النصوص التشريعية وتفسيرها على واقعة الحال المعنية قد جاءت في غير موضعها وعبثاً أُلبست ثوباً تأبى أن تلبسه، الأمر الذي دعانا إلى أن تأكيد أن صحيح القانون يظهر بكل جلاء ووضوح بالنظر إلى الآتي:-

إذا كنا قد اتفقنا على حظر الاشتغال بالعمل السياسي لعضو الهيئة القضائية، كما اتفقنا سابقاً على ضرورة إبعاد المناصب القضائية عن أي محاصصات سياسية ضمانة لاستقلال السلطة القضائية وحيادها، واحتراماً للإعلان الدستوري والقانون.. فإنه يتعين علينا بيان متى يعتبر عضو الهيئة القضائية قد اشتغل في العمل السياسي؟ ومتى يعتبر ما تقدم به ترشيحاً سياسياً يمنحه حقوق المترشح السياسي أمام العامة؟ ومتى يجوز إسباغ صفة الانتخابات على عملية الاختيار للمناصب السياسية؟ ومتى يكون للناخب والمترشح والهيئة القاعدة القانونية التي تستمد منها تكوينها؟

ولما كانت الانتخابات عبارة عن عملية إدارية سياسية منظمة تتيح للمواطن فرصة المشاركة في صناعة القرارات والسياسات العامة، عن طريق الترشح لشغل منصب عام، أو الإدلاء بصوته لاختيار مسؤول أو حزب سياسي يمثله في ذلك.
وكانت العملية الجارية محل المقال تجري عن طريق مكتب لمنظمة دولية سمي بمكتب البعثة الأممية للدعم في ليبيا وليس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وكانت الهيئة المشرفة على إدارة وتنفيذ العملية قد سميت بلجنة الحوار الوطني الليبي، واختيرت من طرف البعثة الأممية للدعم على أساس غير مستند على أي قاعدة قانونية من إعلان دستوري أو اتفاق السياسي أو القانون عادي أو عرف أو معيار، وسنت معها ولها قواعد لاختيار سلطة تنفيذية جديدة لإدارة البلاد، وهي لا تعدو أن تكون عملية استثنائية لا يصلح بأي حال من الأحوال مقارنتها أو مقاربتها بالعملية الانتخابية التي تمثل وجه الديمقراطية والعقد الاجتماعي وتؤسس على قاعدة قانونية ووجود وطني وسيادة.

كما أن عبارة الاشتغال في العمل السياسي المنصوص عليها في نص المادة 64 من قانون نظام القضاء، ظاهرة البيان في قصد المشرع منها الاحتراف وممارسة العمل والنشاط السياسي بشكل فعلي وديناميكي من خلال المشاركة التنفيذية في مسؤوليات الحكم والسلطة في الشؤون السياسيـة والاقتصاديـة والاجتماعيـة والثقافيـة وفقاً لقانون الانتخـابات العامة، وليس مجرد التقدم الذي لا يمنح أي صفة أو مكنة لاتخاذ أدنى قرارات الاشتغال.
هذا وعلى فرض اعتبار أن الترشح يصلح أن يفسر كعمل سياسي، إلا أن واقعة الحال تأبى أن تلبس لباس الترشح الذي يمنح صاحبه مكنة الانتماء لحزب أو كيان سياسي ومخاطبة الجمهور واستمالة الناخبين من عامة الشعب، وهو ما لم يتوافر في تقديم ورقات الترشح إلى مكتب فرع المنظمة الدولية ولجنة المواطنين الـ75 بالدولة المجاورة.

وصفوة القول إن التقدم لرئاسة السلطة التنفيذية المقبلة وفقا للإجراءات الاستثنائية والزمنية الموقتة، لا يتعارض قطعياً مع النصوص التقليدية القائمة، كما أن تاريخ المراحل الانتقالية في ليبيا قد سجل عدة مشاركات لأعضاء الهيئات القضائية في السلطة التشريعية للمجلس الانتقالي الوطني ومجلس النواب الليبي، والسلطة التنفيذية بوزارة العدل ووزارة الداخلية والتمثيل الدبلوماسي، ولم يقدح ذلك من حيدة المرفق العدلي ولم ينل من استقلاله في نظر جمهور المتعاملين معه.