Atwasat

ليبيا حرب السلام!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 02 فبراير 2021, 09:40 صباحا
أحمد الفيتوري

لقد كنت من دعاة السلام أولا وأخيرا، لأن السلام هو الهدف الأول والأخير، وهذا الأمر البديهة الأولى والنهائية، لكن البديهة تغيب،عندم يلعلع الرصاص، وكذا عندما تسكت المدافع. ومن البدهيات أن الحرب مكلفة الحياة، لكن السلام من أجل الحياة، تكاليفه أيضا باهظة، حيث السلام أيضا حرب بوسائله، التي تصعب كلما كان الهدف أكبر. هذا الكلام مكرور، وأيضا التفاصيل التي يجرجرها السلام، كثيرا ما تغمض أو تغيب الأهداف الكبرى.

أولا: حرب السلام جاءت عقب خطوة أولى، وهي استبعاد الحلّ العسكري، ثانيا وهي من لزوم أولا، إيقاف إطلاق النار. وهما عتبة حرب السلام، ما إن لم يحقق الهدف السلام، من خلال تفاصيله، فمكنة العودة على بدء، هي الخطر والاحتمال الأول والأخير أيضا، ومن هذا جاء توصيفنا ليبيا حرب السلام، هذه اللحظة الليبية الاستثنائية الثانية، حيث الأولى كانت عقب ثورة فبراير، بإعلان المجلس الوطني الانتقالي. .

ثانيا: تواصلت خطوات، عدة عقب وضع العتبة الأولى وقف إطلاق النار، وهذه الخطوات الاقتصادية فالسياسية منها، ما عنت أن مسار السلام مشى يحبو خطوات، وفي هذا الحال بدأت حرب السلام، ما عتبتها التفاوض، لكن عقبتها تحقيق ما تم التوافق عليه، فالوفاق النتيجة هو أيضا عتبة لتحقيق الوفاق، لأن لكل وفاق تفاصيل ما فيها يكمن الشيطان.

ثالثا: ليس من وفاق إلا وخارطة طريق، للمشي على الخطوط العريضة والطويلة للخارطة، لابد من مسبار ومن معين، المسبار الكيفية التي سيتم بها تحقيق خطوات الوفاق، والمعين الضامن لتحقيق الوفاق. حتى الآن الظاهر أن خطة الطريق، واضعها مندوبة الأمم المتحدة بالإنابة ستيفاني وليامز!، وأن الكفيل الضامن بتنفيذ بنود الخارطة مجلس الأمن. هذا في الظاهر ما يبان بشكل أولي، لكن وجود السفير الأمريكي في المشهد، ثم يعقبه في خلفية المشهد تواجد ألماني، ما يجعل من الولايات المتحدة ضامنا ضمنيا، ومن الألماني حارسا خلفيته مؤتمر برلين. ومن هذا إذا كانت فرنسا ثم إيطاليا، قد فشلتا قبل في خطط طريق وضعت في باريس وروما، فإن أي عامل يساهم في أى عرقله لخطة وليامز، هو يعمل ضد الضامن الأمريكي وعضيده الألماني.

رابعا: إن خارطة الطريق الصحيحة، التي مفصلة ولديها حاملون مفترضون لتنفيذها، كما اللعبة المسرحية، التي لابد للمخرج من تصور مبدئي لمن سيؤدون الأدوار. ومن هذا فالسيدة وليامز تفترض، أن فلانا وعلانا من يمكن أن يقوما بالدور المطلوب لتحقيق خطة الطريق، التي هدفها الرئيس قد وضع مبكرا: الانتخابات في 24 ديسمبر 2012م، وعلى ذلك فالأسماء المطلوبة عندها لتنفيذ الخطة وليس لحكم ليبيا.

خامسا: نجاح الخطة مرهون بكواليسها وليس بالمنصات الإخبارية، كما كل لعبة سياسية، ما يظهر منها كما جبل الثلج وكما وجبة الطعام تتم في المطبخ. على ذلك ما يتمظهر هنا وهناك هو الإخراج، أما خطة الطريق فقد تمت مع القوى النافذة في المسألة الليبية الدولية منها والإقليمية والمحلية. ولا أحد يهتم بالشأن الدولي العام، ينسى أن خطة وليامز خطة تنفيذية، وأنها الخبر لقرارات مؤتمر برلين مبتدأ 2020 م، وهو مؤتمر دولي قلّ نظيره في مسألة كالمسألة الليبية.

سادسا: إذا كان المكان في المسألة الليبية مرتكز تفاقمها، أي الشرق الأوسط وشرق المتوسط، فإن في المكان متغيرات وفاقية وتفاوضية، تبدأ بين إيطاليا وفرنسا فتركيا وتصل دول الخليج. وفي الزمان فإن العالم في 2021م يعيش حربا كونية ضد الجائحة، وأمريكا القوة العظمى قد خرجت من محنة ما وقعت فيها روسيا، أي الشارع يمسك بزمام اللحظة. ففي الزمكان متغيرات تصب في مجرى السلام.

سابعا: انتهاء حرب السلام بشكل إيجابي، لا يعني تحقيق الأهداف الكبرى، فهي أي نهاية الحرب مثلما إطفاء النيران، ما يعني لملمة الجروح وحساب الخسائر، وأن يمكن تحويل من اكتوى بالنار للعلاج ليس إلا. وعلى ذلك فإن ذهبنا، إلى أننا لم نذهب إلى 24 ديسمبر 2021م / الانتخابات، فإن تمديد مدتها إلى أجل آخر، سيكون وقد تحققت خطوة هامة في حرب السلام، أي السلام ووحدة البلاد.

في الختام: الأمر مرهون بما تقدم، أن النكسة الحرب والحرب الأكبر، ولهذا لا نتوقع أية نكسة، لكن قد يحدث جمود، وهو جمود لحرب السلام ليس إلا. لقد تحققت معطيات على الأرض هامة لأنها ضرورية، وفي إطار التفاصيل ستنمو باضطراد، فقد تخلص المواطنون من قيود الحرب، وهم من تعبوا من المواجهة، سيتجهون إلى المبادرات التي تتيحها نتائج الحرب، أي سيستثمر أثرياء الحرب والفاسدون أموالهم وقد بدأوا، كما بدأت الدولة العميقة تستعيد الزمام، وهذا سيكون في مسار توحيد مؤسساتها الصغرى ولملمة أنفسهم لاستعادة السيطرة.

وفي الهامش: لكن ما ينسى أن الربيع العربي قد بدأ ولن تنهيه الحروب، وهذه العشرية الأولي منه في أيامها الأخيرة، قد بينت استمراره في الشوارع بدءا من تونس، وإن الربيع العربي قد استعير كاصطلاح من ربيع براغ، ما انتهى باحتلالها من قبل دبابات الاتحاد السوفيتي، ما لم يعد في الوجود، وكان لبراغ ربيع ثانٍ.