Atwasat

رفيق

صالح الحاراتي الثلاثاء 02 فبراير 2021, 09:37 صباحا
صالح الحاراتي

"الصداقة كلمة ثمينة جدًا، لا تقال لكل إنسان. "

هذه من الأقوال المشهورة للروائي والقاص البرازيلي "بابلو كويلو"

فعلا الأصدقاء جزء مهم في حياة كل فرد، واختيار الأصدقاء جزء مهم لاستمرار تلك الصداقة، فالصداقة أمر أساسي لا يمكن الاستغناءُ عنه، ومن خلال الصديق نستطيع أن نتخلص من الوحدة والقلق والأفكار السلبية التي تشغل بالنا، فالتحدث مع الصديق وتبادل الأسرار وقضاء الوقت معه من الأمور الممتعة التي تساهم في زيادة الطاقة الإيجابية ورفع المعنويات، وبالتالي جعل الحياة أكثر راحة وطمأنينة وسعادة.

والصداقة علاقة مودَّة صادقة ومحبَّة وإخلاص متبادل بين شخصين، حيث يودُّ كلٌّ منهما الآخر، ويحبُّ له الخير، ويبادله الآخر المشاعر نفسها.. ويقال أن الصداقة مأخوذة من الصّدق، فالصديق الحقيقيّ هو الذي يصدقك في القول والعمل، ومن خلال هذه الرابطة يدرك الإنسان المعنى الحقيقيّ للحياة .

يوما ما ، كنت فى معمل مادة الطبيعة - "إعدادى طب"- أشارك فى تجارب عملية فيما يتعلق بالضوء.. كنت ألتفت إلى اليمين وإلى اليسار، وأنصت باهتمام لبعض الحديث الذى يدور حولي من قبل بعض الطلبة، لعلنى ألتقط من يتحدث بلهجة "ليبية " لكي أتعرف عليه فيما بعد، لأننى أعرف أن بعض "بلدياتى" معنا.. انتهت الحصة العملية، ونحن ننزل سلم المبنى للخروج من المعمل، التقيت بمن يسألني :
من ليبيا ؟
فقلت نعم أهلا وسهلا ..
ترافقنا فى حديث تعارف ونحن فى طريقنا للخروج من الجامعة سيرا على الأقدام.. فى ذلك الزمن لم يكن
للحذر والتوجس من الآخر كما هو عليه الحال اليوم، وكانت التلقائية والبساطة سمة سائدة فى تعامل أغلب الناس .
وبينما كنا نتبادل حديث التعارف؛ كانت الكيمياء المشتركة تفعل فعلها.. وانتقل حديثنا إلى السكن والمعيشة وكيف هو حال كل منا، كان السؤال المفصلي والعفوي الذي كان.. هل لديك استعداد للسكن المشترك!؟
وكانت الإجابة بالموافقة بيننا..

استكملنا السير حتى اقتربنا من عمارات قريبة من كلية الطب وسمعنا أن بها شققا مفروشة للإيجار.. فسألنا ووجدنا ما نبحث عنه واتفقنا.. ذهبت لمن أقمت معهم مؤقتا، لأخبرهم بأننى ممتن جدا لما قاموا به معى، وأننى أنتوى الانتقال إلى السكن الجديد مع الرفيق الجديد.. قدموا لنا بعض النصائح وباركوا الخطوة، واقترحوا علينا اسم سيدة تأتي لنا لتنظيف البيت والقيام بالطبخ.. وقد كان اقتراحهم موفقا لحد كبير .

الجميل في الأمر أننا غير متطابقين فى الطبائع، ولكن التجاوز والقبول سمة مميزة لدينا كلينا، عرفني بعالمه الخاص من المعارف وكذلك قمت بالمثل، ومنذ ذلك الزمن لا زال الود والعلاقة مستمرين إلى يومنا هذا.

عندما أرجع بالذاكرة لذلك الزمن ليذهب انتباهي إلى تلك التلقائية التي سادت خطوات التعارف والتقارب وكأن القول بأن (الأرواح جنودٌ مجنَّدة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) يتجسد واقعيا..

صار لدينا أصدقاء مشتركون وسافرنا سويا وقضينا بعض إجازاتنا سويا والذكريات المشتركة كثيرة يصعب حصرها .

مما أذكره أن كلا منا كان يحب القراءة ويطمح إلى توسيع مداركه.. وبدأنا تلك الرحلة بمساعدة ودعم صديق يكبرنا سنا ومجال دراسته مختلف عنا، ولكنه كان نموذجا إنسانيا رائعا، أشعل فينا الرغبة في المعرفة والاطلاع وكان خير معين لنا .

انقطعت صلتى بهذا الرفيق لزمن فاق العقد من الزمان.. وعندما التقينا وكأن مسيرة الأيام قد توقفت.. لا زال هناك اختلاف فى الطبائع والاهتمامات والرؤى الفكرية، ولكن كيمياء المودة والاحترام لا زالت فى القمة، صديقى هذا نموذج لعلاقة إنسانية راقية عمرها نصف قرن، حفظك الله ورعاك يا صديقى .