Atwasat

حكم الأغلبية وحقوق الإنسان

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 24 يناير 2021, 11:33 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

يتمحور مقال الهادي بوحمرة "حكم (الحاكم) يرفع الخلاف" (الوسط 20/ 1/ 2021)* حول نقطتين بانيتين. الأولى: الخضوع لما تقرره الأغلبية ديموقراطيا، باعتبار مبدأ سيادة الأغلبية، ديموقراطيا، مبدأ من المباديء المؤسسة للديمقراطية، من حيث أن الأغلبية تمثل الشعب الذي له السيادة في الفكر والممارسة الديموقراطيين. الثانية الاقتراع، أو التصويت، كونه آلية عملية من آليات تحقيق هذا المبدأ.

ينطلق الهادي بوحمرة في بسطه هذه الفكرة من مقولة فقهية إسلامية منطوقها "حكم الحاكم يرفع الخلاف" ويقول: "هذه القاعدة؛ وإن كان هناك اختلاف في الفقه الإسلامي من حيث نطاق سريانها؛ هي في الأنظمة الدستورية من ركائز انتظامها، وضرورة من ضرورات استمرارها، إذ إن اختلال إنفاذها فيها [أي في الأنظمة الدستورية] بداية لانحلال مؤسساتها، وتصادم مكوناتها. وإذا كان القاضي هو الحاكم في المنازعات، فإن الشعب هو الحاكم في الاستفتاءات والانتخابات، والأغلبية المنتخبة هي الحاكم في مجال صناعة التشريعات".

هذا مبدأ مستقر وقاعدي لدى كل من يؤمن بمبادديء الديموقراطية ويحتكم إلى ما أُثبت فعاليته وجدواه من آليات ممارستها في إدارة الخلافات والمصالح المتباينة والمتعارضة في المجتمع، وبغير ذلك تتطور الخلافات إلى منازعات وتنشأ الفوضى والحروب الأهلية. فـ "كما أن رفض حكم القاضي رفضٌ لرفع الخلاف، فإن عدم القبول بالاحتكام إلى الشعب، أو رفض ما انتهى إليه هو- أيضا- رفضٌ لرفع الخلاف. وما لم يُرفع الخلاف، فإنه يظل قائما ينخر في البلاد والعباد، فإما أن يفضي إلى العبث والفوضى، أو إلى التسلط والاستبداد، والذي قد يسبقه عذاب، ويليه عذاب، ولا يستمر إلا والناس في عذاب".

مقال بوحمرة يتعلق، أساسا، بالناحية النظرية والتعليمية لوجه من وجوه الديموقراطية. لكنه يتعلق، بشكل غير مباشر، بالحالة الليبية.

وقبل الدخول إلى الحالة الليبية، أرغب في أن أشير إلى نقطة جوهرية في الديموقراطية، لم يشر إليها بوحمرة، في ما يتعلق بالامتثال إلى حكم الأغلبية التي أفرزتها عملية استفتاء أو انتخاب ديموقراطي. وأرى أن إشارتي هذه لا تتعارض مع طرح بوحمرة، وإنما تتكامل معه، وهذه ثمرة مهمة من ثمرات أي حوار فكري. النقطة التي أعنيها هي تلك المتعلقة بحقوق الإنسان. فحكم الأغلبية المنتخبة لا يمكن أن "يرفع الخلاف" ما لم يكن مقترنا، وجوبا، بمبدأ حقوق الإنسان.

فلو افترضنا أنه طرح استفتاء في الصين أو بورما على إبادة أو تهجير الأقلية المسلمة، أو إبادة أو تهجير المنبوذين في الهند، أو إبادة أو تهجير الأقلية البهائية في إيران أو مصر، أو إبادة أو تهجير الإيزيدين في العراق أو سوريا، أو إبادة أو تهجير الغجر في المجر، وأسفر هذا الاستفتاء عن نيل أغلبية الشعوب في الدول المعنية، فلا تعد الأغلبية، التي أسفرت عنها آلية ديموقراطية، رافعة للخلاف وأن حكمها واجب الإنفاذ، لأنه لم يراعِ جوهرا مكونا تبلورت حوله القيم الديموقراطية، وهو حقوق الإنسان. فأساس الديموقراطية مباديء وقيم حقوقية، أخلاقية، وليس مجرد عملية إحصائية.

فأي دستور لا يرعى حقوق الإنسان، بما في ذلك ضمان حرية المعتقد (من مثل تبديل الأديان والمجاهرة به، أو البقاء بدون دين والمجاهرة بذلك أيضا) ولا يضمن حرية الرأي، ما دام هذا الرأي محترما لحقوق الإنسان (أي يخلو من العنصرية والعداء والتحريض على الآخر المختلف)، اعتبر هذا الدستور دستورا معاديا للإنسانية. نعم. هكذا: معاديا للإنسانية.

وعلى أساس هذا المبدأ، تكون المادة السادسة من مشروع الدستور الليبي المزمع طرحه للاستفتاء الشعبي، التي تنص على أن "الشريعة الإسلامية مصدر التشريع" مادة معطلة لما هو أساسي في حقوق الإنسان. ولا يجوز التلاعب بمصير الناس والشعب والبلاد من خلال القول: "هذه مسألة يحسمها الشعب في استفتاء ديموقراطي"، ذلك أن الوعي الشعبي بخطورة هذه المادة محدود جدا. وبذلك فإن نص هذه المادة "عمل يرقى إلى درجة الإرهاب. ذلك أنه يدخل من باب المقدس ويخاطب المشاعر والعواطف الدينية لدى الناس بحيث يشعرون أنهم دخلوا في باب الكفر لو اعترضوا عليها في حالة عرض المسودة للتصويت العام"**. إنها تحمل دعوة ضمنية للإبادة، من خلال فتاوى التكفير، ودعوة إلى التهجير من خلال فرار من استطاع إلى ذلك سبيلا بحريته إلى أماكن ترعى هذه الحرية. وهذا الفرار سيؤدي إلى نزيف في الطاقات والقوى البشرية في البلاد، لأن غالبية القادرين على الهجرة هم من الشباب الطموحين غير المرتبطين بمسؤوليات أسرية واجتماعية تمنعهم من السفر.

إنني أدعو مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية في ليبيا إلى الطعن في هذه المادة الخانقة للحريات الأساسية، قبل أن تجر السكاكين على الحلوق وتحمل الرؤوس المقطوعة عاليا مع صيحات التكبير.

*http://alwasat.ly/news/opinions/140168?author=1
** انظر عمر أبو القاسم الككلي: دسترة الإرهاب الفكري. http://alwasat.ly/news/opinions/140168?author=1