Atwasat

خرائط طرق للبيع

جمعة بوكليب الخميس 21 يناير 2021, 10:26 صباحا
جمعة بوكليب

أينما وليت وجهك، خلال السنوات الأخيرة، تقابل عيناك خرائط طرق متنوعة، مصممة لكل الأغراض، معروضة للبيع، في أسواق محلية وعربية وإقليمية وعالمية. الطرق المعروضة في الخرائط، بعضها متخيلة، ولا وجود لها في الواقع. والموجود منها إما أن تكون فعلياً مسدودة، بسبب وقوعها في مناطق تحارب، أو أنها، واقعياً تحت سيطرة مسلحة وبوابات، وبعضها مرسوم على أوراق تصاميم هندسية، للتأكيد أنها قد تدخل طور الإنشاء في مستقبل قريب أو بعيد، الله أعلم.

أبواب أسواق البيع مفتوحة دائماً، وتعرض بضائعها للمتفرجين ولمن يرغب في الشراء، وليس عليك سوى متابعة ما يقدم من عروض لخرائط طرق، بمختلف الأنواع والمسميات والأحجام، تشاهدها على شاشات القنوات المرئية، وتقرأها في الصحف، وتسمعها في الإذاعات، وتتوافر أكثر وبتنوع في وسائل التواصل الاجتماعي. والخرائط المعروضة من الكثرة بحيث يمكنك، إن شئت، اقتناء أكثر من واحدة وبأسعار متفاوتة. لكن الأسعار، في مجملها، ليست زهيدة.

وربما تكلف، أحياناً، اختفاء أوطان، أو تقسيمها، وربما ظهور أوطان جديدة، ودمار أخرى. هناك خرائط لطرق مشبوهة تقود إلى وفاق لا وجود له على الأرض، وأخرى تعرض على أصحابها الوصول إلى سلام غير مسبوق ولا معروف، وبشروط النسيب الكاره، وخرائط عديدة تدل على طرق لمصالحات وتنازلات مستحيلة واقعياً، وما عليك كمتبضع إلا اختيار ما يناسبك منها، وبما يمكنك من تدبير أحوالك.

مصطلح «خريطة طريق» ليس جديداً تماماً، لكنه، في السنوات الأخيرة، صار عنصراً ضرورياً وحتمياً من عناصر وصفات الطبخ، التي تعد في مختلف المطابخ السياسية لعواصم العالم الكبرى والمتوسطة وحتى الصغرى، ما دامت قادرة على دفع الفواتير نقداً. لأنه، على ما يبدو في عالم اليوم، «ما فيش حد خير من حد».

حاول أن تشاهد برنامجاً سياسياً تلفزياً، في أي قناة تختارها من قنواتنا العربية أو المحلية أو العالمية، وحاول خلال المشاهدة أن تعد المرات التي يذكر فيها المصطلح، وتتبع بانتباه ما يعرض من خرائط لطرق عديدة ومتنوعة ولكل الأغراض، يدعي أصحابها أنها إما تقود إلى سلام دائم ونهائي، وإما أنها صممت لتساعد على الخروج من إشكالات محلية أو إقليمية ودولية... إلخ. عندها، أعني لدى انتهائك من المشاهدة، سوف تكتشف أن عالم السياسة الواقعي جداً، يمت، في الحقيقة، بصلات دم وقرابة قوية إلى عوالم المذهب الفني السوريالي التخيلي والغرائبي، وستصل حتماً إلى نتيجة مفادها أن مفردة أو مصطلح «شخص سياسي» -سواء أكان في زماننا هذا، أو ما قبله، أو ما بعده- تعني شخصاً يشبه إلى حد كبير بهلواناً في سيرك، لأنه ببساطة يستطيع نظرياً وعملياً إقناع أشخاص آخرين بضرورة، أو إجبارهم على شراء سمك يسبح في محيطات نائية، وشراء طيور تحلق في سماوات صحاري وقفار بعيدة لا ترى بعين مجردة ولا بمناظير ضخمة، ويتم كل ذلك بابتسامة حلوة لا تفارق شفتيه. 

وأن من يفشل منهم في ذلك، ليس له سوى التنحي وترك الفرصة لغيره من الموهوبين، الذين تزدحم بهم مختلف العواصم. وما يعرض، حالياً، في الأسواق من خرائط طرق لسلام ولوفاق ولمصالحات واتفاقات ومسميات لمصائب أخرى كثيرة لا يختلف عن ذلك، سوى أن القبول، طوعاً أو قسراً، بشراء سمك في البحر يظل، في وجهة نظري، أفضل قليلاً، لأنها، في نهاية الأمر، صفقة ممكنة التحقق فعلياً، ولو بنسبة ضئيلة جداً. أما أن تشتري خريطة طريق لأي شيء، قبل أن تعرف أن الطريق موجودة واقعياً، ويمكن استخدامها فعلياً، وليست مصادرة بالسلاح، أو مقفلة ببوابات وحرس، لأي سبب من الأسباب الأخرى، فإنك بذلك لا تخدع أحداً سواك.

والكذب على النفس ليس صعباً، مثل الكذب على الناس، لأنك في الأولى تعرف أنك، في حقيقة الأمر، مثل من يتوقع الحصول على عسل من مؤخرات دبابير، لا تجيد سوى اللسع والقرص، وتصدق ذلك، لكنك، في نهاية الأمر، لن تضر أحداً بكذبك سواك، وعلى نفسها جنت براقش، كما يؤكد ذلك مثل عربي قديم، ما زال ساري المفعول، رغماً عن كل خرائط الطرق التي تفبرك، ومن يقفون وراءها، ويعرضونها للبيع، بالجملة وبالقطاعي، في أسواق مفتوحة، على احتمالات عديدة جداً.

وللأسف الشديد، ومن خلال ما مر بنا من تجارب، ليس من ضمنها احتمال يتيم، يفضي، ولو بعد زمن، إلى حلم يقود إلى استعادة وحدة بلاد، بأمل أن تكون، ذات يوم قريب، وطناً!