Atwasat

المجتمع المدني الليبي والغاية التي لا تدرك

هالة بوقيعقص السبت 09 يناير 2021, 01:05 مساء
هالة بوقيعقص

يتكرر التساؤل عن دور المجتمع المدني في الأزمات التي تمر بها ليبيا، ولا يخلو الأمر من التخوين والتشكيك والتتفيه للجهود التي تقوم بها المنظمات المدنية الليبية. ويجدر بالذكر أن المنظمات تعمل في ظل الانقسامات السياسية، النزاعات المسلحة والعجز الكامل من الدولة على تقديم الخدمات العامة.

لمحة تاريخية عن تطور عمل منظمات المجتمع المدني في ليبيا
يعد المجتمع المدني مفهوماً جديداً في ليبيا، رغم أنه في العهد الملكي كان هناك منظمات ومبادارات مدنية بما في ذلك الكشافة الليبية والمنظمات النسوية، بالإضافة إلى المنظمات الخيرية. بعد عام 1969، قيد النظام حرية التجمع وحرية التعبير، وقصر نشاط منظمات المجتمع المدني على الأعمال الخيرية. وقد عادت المنظمات الحقوقية للعمل تزامناً مع مشروع ليبيا الغد وإنشاء مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية في عام 2003 بقيادة سيف الإسلام القذافي التي ضمت تحت مظلتها العديد من الحقوقيين البارزين في ذلك الوقت.

في عام 2011، لعبت منظمات المجتمع المدني دورًا رئيسيًا في دعم الثورة والمراحل الانتقالية، وبشكل أساسي كان دورها أساسيا في تقديم الدعم الإنساني و تعزيز الديمقراطية. ولكن هذا الدور سرعان ما خفت بعد ازدياد حدة الصراع المسلح عام 2014 واستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء، وقد شهدت السنوات التي تلت هذا النزاع تراجعا كبيرا في عمل منظمات المجتمع المدني حيث اضطر معظمها إلى إيقاف أعمالها أو الانتقال إلى خارج البلاد خوفاً على سلامة نشطائها، وعادت المنظمات للعمل بشكل أكبر منذ عام 2016.

وبحسب التقرير الأخير الصادر عن مفوضية المجتمع المدني، بلغ إجمالي عدد منظمات المجتمع المدني المسجلة في ليبيا 5415 منظمة، 37٪ منها في طرابلس، و 20٪ في بنغازي و 3.4٪ في سبها. ووفقًا للتقرير، فإن غالبية منظمات المجتمع المدني هذه تعمل في مجال الأعمال الخيرية بنسبة 14. 52٪ و 11.83٪ تعمل في مجال التنمية الاجتماعية، بينما تعمل 9.39٪ في إصلاح القانون وحقوق الإنسان.

المنظمات المدنية بين الواقع والتحديات
حسب مؤشر الاستدامة لمنظمات المجتمع المدني CSOSIلمنظمة FHI360 الذي يقيس مدى استدامة عمل المنظمات المدنية، من خلال تحليل سبعة أبعاد وهي البيئة القانونية والتنظيمية التي تحكم قطاع منظمات المجتمع المدني. وقياس مدى الاستدامة المالية، و تحليل قدرة قطاع منظمات المجتمع المدني على التأثير على السياسة العامة من خلال حملات المناصرة وكسب التأييد، وأخيراً فهم الصورة العامة لقطاع منظمات المجتمع المدني.

وأوضح التقرير الخاص بليبيا بأن مؤشر الاستدامة الخاص بمنظمات المجتمع المدني قد تدهور بشكل طفيف خلال العام 2019، حيث كان للحرب على طرابلس تأثير سلبي بسبب تعقيد عملية تقديم الخدمات الأساسية وأزمة السيولة النقدية، وقد اتضح ذلك في الأبعاد الخاصة بالبيئة القانونية، والسلامة المالية، والمناصرة، والتي يمكن تلخيص أهم نقاطها:
1. البيئة القانونية: شكل غياب قانون ينظم شؤون المجتمع المدني تحديا حقيقيا للقطاع، حيث أن القانون رقم 19 لسنة 2003 لا يزال ساريا على نشاطات القطاع، بالإضافة إلى عدد قليل من اللوائح التنفيذية والمراسيم الصادرة عن السلطات التنفيذية التي تقيد أنشطة منظمات المجتمع المدني بشكل كبير، حيث يخضعها فعليًا لرقابة الحكومة عند تلقي المساعدات المالية وفتح الحسابات المصرفية ومزاولة نشاطها. ويمنح السلطات الحق في حل منظمات المجتمع المدني التي لا تلتزم بهذه القاعدة دون إعطاء أسباب واضحة.

2- الاستدامة المالية: استجابة للحرب على طرابلس، تحولت أولويات المانحين الدوليين إلى تلبية الاحتياجات الإنسانية وقد أدى ذلك إلى اقتصار أنشطة منظمات المجتمع المدني على تلك المتوافقة مع برامج المانحين الدوليين. كما أعاقت مشكلات تحويل الأموال إلى البنوك الليبية وصعوبة فتح حسابات مصرفية عمل الكثير من المنظمات في الداخل.

3- المناصرة: أدى انقسام السلطة التشريعية إلى استحالة إجراء أي تغييرات في السياسات أو القوانين، بالإضافة إلى ذلك، ليس لدى معظم منظمات المجتمع المدني قنوات اتصال مباشرة مع صانعي السياسات للتأثير عليهم لوضع برامج إصلاحات.

وعلى الرغم من كل هذه الصعوبات، قامت منظمات المجتمع المدني بدور جوهري في الحرب الأخيرة وفِي أزمة النازحين، منظمات مثل منظمة الهلال الأحمر والكشاف والجمعيات الخيرية التي جهزت ودعمت العديد من العائلات النازحة والعائلات محدودة الدخل في ظل غياب مؤسسات الدولة.

كل هذه الجهات تحت مظلة المجتمع المدني، فلماذا نجحد حقها في الشكر والتقدير على العمل في ظروف بالغة العسر واتهامها باستمرار بالعمالة أو السمسرة بالقضية. خاصة في الوقت الذي تعترف به قيادات الدولة بعجزها عن إيجاد عصا سحرية لحل مشاكل الخدمات العامة وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، فلماذا نتوقع أن العصا السحرية ومارد المصباح وبئر الأمنيات بحوزة هذه المنظمات؟ الأجدى العمل على توفير البيئة الملائمة لعمل هذه المنظمات وزيادة قدراتها التنظيمية، بداية من دراسة مشروع قانون المجتمع المدني المعد من قبل خبرات قانونية ليبية في عام 2013 والعمل على تعديل القرارات التنفيذية التي تقيد أعمال القطاع رغم دوره الجوهري في السنوات الأخيرة، وكذلك يجب إيلاء اهتمام أكبر بوضع سياسات مالية داعمة لتمويل هذه المنظمات للتقليل من اعتمادها على دعم المانحين الدوليين وكذلك العمل بمبدأ الشفافية والفرص المتكافئة للحصول على الدعم من الشركات العامة.