Atwasat

غدا.. اليوم نفسه!

سالم الكبتي الأربعاء 23 ديسمبر 2020, 02:27 صباحا
سالم الكبتي

في مثل هذه اللحظات ولدت الأمة بعد يأس مرير. ثم تسعة وستون مرت مر السحاب. أجيال وتطورات. تبدلات وتغيرات. وقاربت السبعون على الوصول. عمر من الرحلة الطويلة بكل ما لها وعليها. تجربة الاستقلال والتأسيس والنهوض وبناء الدولة والصراع بكل تفاصيله. تجربة تنفصل وتبتعد عنها الأجيال. من الرائع أن تختلف معها، لكن من المؤسف أن تقابل الأجيال ماحدث بالجحود والنكران والنسيان.

اليوم نفسه الرابع والعشرين من ديسمبر. الحدث نفسه. آخر الموسم. الصقيع وحكايا التاريخ والشتاء وذكريات الذي مضى ولن يعود. ذلك هو الحلم الذي ظل واستقر في الأعماق.. ثم توقف!
في العاشرة صباحا وقف الرجل في الشرفة. نسمات الصباح. والشمس تشرق دافئة ترتفع عند الضحى. والجموع المنتشرة تهتف وتبتهج. تفيض بها الساحة. وتلتقي عندها في الموعد من كل الأرجاء. الفرحة واحدة والبهجة تعم الجميع دون استثناء. كل الليبيين قريبا وبعيدا عن ذلك المكان، لكن الزمان والحدث وحداهم كلهم. كانوا في الساحة جميعا بالمشاعر والأحاسيس والفرحة والابتهاج. الكبار والصغار. الملابس العتيقة. بعض ملامح الحزن القديم. الوجوه الناظرة الى فوق. اختلاط المشاعر بالدموع. الأحلام والتطلعات. الماضي الذي صار الى الخلف. تحتحت ولم يعد كما كان. مشاهد الفقر وبقايا الجوع وآثار الحرب. لحظة فارقة في الزمن لم يعرف قدرها الآتون من بعد ذلك الزمن الذي لم يعد يوحد تلك الجموع. صار الزمن لاقيمة له في حياتهم. ضربوا صفحا عن التجربة وزمنها. وتلك طبيعة البشر والحياة.

المعاناة ومصارعة الأيام وصلت بتلك الجموع إلى هذه النتيجة. الاستقلال الذي كان حلما عسيرا. المخاض والصعوبات. العالم نظر إلى البلاد على أنها مسألة دولية خطيرة. من الصعب أن تبقى بدون حل. انتهت أزمة المستعمرات الإيطالية القديمة وأضحت ليبيا عنوانا في الأجندة والبرامج الدولية كل يوم. لم تكن المسألة سهلة. والعالم لم يترك القضية بدون اهتمام. ساعد ورعى كل الخطوات التي من شأنها أن تقود إلى السلام والحرية والاستقلال. الظروف والموقع. والمكان والزمان. عوامل لم يفهمها الأهل جيدا، فظلوا يفرطون فيها على الدوام.

خطوات تلك اللحظة الفارقة كانت طويلة وكبيرة. دماء وتضحيات ومعارك سياسية. وفي كل الأحوال تقدمت تلك الخطوات بالتوافق والتنازل والتسامح والقبول والإصرار على التلاقي وبناء الدولة، وإذا وجدت اختلافات فإنها تظل في دائرة الاجتهادات والشعور بالمسؤولية الوطنية.

التوافق الرائع هو الذي أوصل الليبيين بعد معاناتهم إلى تلك اللحظة الفارقة. الساعة العاشرة صباحا من يوم غد الذي لن يعيد نفسه في الغالب. التوافق الذي يتنكب جوانبه الليبيون. يبتعدون عنه في كل أيامهم ومناسباتهم وحواراتهم ولقاءاتهم وأعمالهم، وحتى في ذكرى استقلالهم الذي يشارف السبعين من الزمن. الزمن الذي يجري ويمضي ولايعيه الليبيون. وكل شي بثمنه الغالي. الليبيون يدفعون من زمن بلادهم الكثير. ولايعرفون أن القادم بهذا الشكل قد يكون أسوأ من مخاض أيام الاستقلال والنضال القاسي في سبيله. الليبيون الآن يحتاجون إلى مجاهدة النفس ومحاربة الأنانية والتعصب. يحتاجون في عيد استقلالهم الأول إلى الانتماء الحقيقي إلى هذا الاستقلال. إلى الوطن.

تجربة الاستقلال بكل ما فيها وعليها، وبناء الدولة في الظروف العسيرة يحتاج إلى وعي كبير وكامل من الليبيين بضرورة الإفادة منها والتواصل معها. نقل ذلك للأجيال القادمة. إفهامها بأن الاستقلال تحقق بالاحترام والتوافق. وتعزز بالتلاقي والإصرار على بناء الدولة. والوطن سيظل ضعيفا منهوك القوى إذا ما استمر متباعدا ومتنافرا بين رجاله وأفراده.. قبل مسافاته المترامية. وإذا كان من الصعب محاكاة التجربة أو استنساخها فإنه من المفيد والضروري استعادة دروس اللحظة الفارقة والوقوف عندها بكل احترام.

ليبيا. نهضت من العدم في تلك اللحظة الفارقة. الساعة العاشرة صباحا. والشمس ترتفع دافئة في الضحى. الشرفة. والرجل يطل منها ويقول:
(يسرنا أن نعلن للأمة الليبية الكريمة أنه نتيجة ................ إلخ
.................... إلخ
............... إلخ)