Atwasat

قرار البنك المركزي بين الغموض والعشوائية

آمنة القلفاط الثلاثاء 22 ديسمبر 2020, 01:15 صباحا
آمنة القلفاط

تتناول القنوات الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي هذه الأيام، بكثير من الحيرة والربكة، القرار الصادر من بنك ليبيا المركزي بشأن تعديل سعر صرف الدينار الليبي. القرار الذي انتظره الليبيون طويلاً، جاء مبتوراً وصادماً وخاليا من التوضيحات التي من شأنها أن ترفع من كمية الغموض الذي يلفه، وتفسر المناطات المحاطة به والتي أوصلت إليه.

القرار الصادر في السادس عشر من الشهر الجاري من مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي مجتمعاً، بعد انفصال دام لما يقرب من الخمس سنوات، صدر في الاجتماع الأول الذي انعقد بين فرعي طرابلس والبيضاء بغرض مناقشة تقرير اللجنة الفنية المكلفة بدراسة خيارات تعديل سعر الصرف. خَلصت اللجنة إلى تطبيق سريان السعر الجديد المتفق عليه، كنتيجة الاجتماع، لكل الأغراض الحكومية والتجارية والشخصية، بما يعادل 4.48 دينار للدولار الأمريكي الواحد. القرار الصادر من أعلى مؤسسة مصرفية معنية بالتداول النقدي لدولة ليبيا، جاء قصيراً ويبدو أنه متسرع لأنه يخلو من أية توضيحات يمكن للمواطن أو المتتبع للموضوع أن يستخلص منه إيجابيات أو تبعات تمكنه من فهم ارتدادات هذا القرار على حياته وتدبير معيشته.

بنظرة موسعة لمسيرة العملة الليبية خلال السبعة عقود الماضية، نجد أنها ارتبطت في بداياتها بالجنيه الاسترليني بما يعادل 2.8 دولار للجنيه الليبي الواحد آنذاك، وبالرغم من انخفاض قيمة الاسترليني بعد ذلك إلا أن الجنيه الليبي ظل على قيمته رغم ارتباطهما. تغير اسم الجنيه إلى الدينار الليبي بعد سبتمبر 1969 وزادت قيمته بعد تغيير قيمة الدولار الأمريكي وفق وحدة حقوق السحب الخاصة به، ليصبح الدينار مساويا 3.377 دولاراً. في العام 1973 فك ارتباط الدينار الليبي بالعملة البريطانية وتم ربطه بالدولار الأمريكي مباشرة عند سعر ثابت مساويا 0.29679 دينار. في العام 1986 تم فك الارتباط بين الدولار والدينار الليبي ليصبح للثاني وحدة حقوق السحب الخاصة به مع وضع هامش يتذبذب معه سعر الصرف صعوداً وهبوطاً في مستوى أدنى يبلغ 2.6046 وحدة سحب خاصة للدينار الليبي الواحد. تراوحت بعد ذلك أسعار الدولار الأمريكي وفق أسعار البنك المركزي ما بين 3.54 إلى 1.55 خلال العامين من 1999إلى 2001. تم تعديل أسعار صرف الدينار ليصبح مساوياً 1.3في السنة التالية واستمر بهذا السعر حتى 2019 التي تداخلت فيها أسعار الدينار الليبي ودخل مسمى جديد هو السعر الرسمي مع رسوم إضافية للمشترين الراغبين في الحصول على الدولار لأسباب مختلفة مع الإبقاء على مخصصات سنوية للأفراد بمبالغ معلومة، وكذلك الإنفاق الحكومي الخارجي المتعدد الأشكال. المتتبع لمسار العملة الليبية وارتباطاتها الدولية، والتسلسل الزمني لتعديل سعر الصرف الذي أخذ وقته ونضوجه وأسبابه المختلفة، يجد صعوبة في فهم الرسوم الجديدة المفروضة ومدى استيعاب خزانة البنك المركزي للطلبات المتزايدة على الدولار؟.

حتى يمكن وصف قرار تعديل سعر الصرف بالإيجابي عليه أن يكون مبنياً على حسابات أسعار وعوائد النفط ومقدار ما يدخل الخزانة الليبية مع اعتبار الميزانيات الضخمة والمرتبات التي تثقل كاهل الدولة، حجم الأموال الدائرة خارج البنوك والتي ستتحول إلى عملة صعبة آمنة ومطلوبة للمواطن، مادام ذلك في الإمكان، هل البنك المركزي لديه القدرة على الإيفاء مع حجم الأموال الليبية المتداولة خارج البنوك؟ وما المدى الزمني الذي يستطيع فيه البنك المركزي الاستمرار في ضخ العملة الصعبة؟ على القرار أن يكون أيضاً متزامناً مع إصلاحات تشريعية وإدارية واقتصادية ونقدية لابد من الإلمام بها والسعي الجاد لتطبيقها، حتى لا يُقيم القرار بأنه ارتجالي لا يأخذ في الاعتبار المواطن الذي يعاني في سبيل لقمة عيشه. مجموعة الإصلاحات المذكورة تؤخذ كلا على حدة وقد تتداخل في أحيان كثيرة كحزمة واحدة. فالإصلاحات التشريعية تتناول إصلاح القوانين المعرقلة لعجلة الاقتصاد التي بدأت في السبعينيات وتمثلت في التأميمات الاشتراكية وإلغاء كافة الأنشطة الاقتصادية الخاصة، يأتي على رأس هذه القوانين قانون رقم 4 لسنة 1978 (قانون البيت لساكنه) لم يلغِ هذا القانون بعد 2011 وتم تجميده فقط، الملكية الخاصة المقدسة هي المحرك لقاطرة الاقتصاد، بالتوازي والارتباط مع الحركة المصرفية النشطة. لا زالت القوانين الاقتصادية المكبلة سارية المفعول، وحرية التجارة المقيدة التي تتعارض مع أسعار الصرف المختلفة من جهة، ومع ما تستورده الدولة وتدعمه من جهة أخرى. تَدخل الدولة واحتكارها لبعض السلع واستيرادها يُعرقل حركة التجارة ويساعد الفساد والنهب وحرمان المواطن من وصول مساعدات الدولة له مباشرة. الإصلاحات الإدارية تبدأ بتوحيد مؤسسات الدولة وتقليص الكادر الوظيفي الضخم والمترهل، وخاصة السفارات وموظفيها الذين يمثلون جانبا من هدر المال لا يعلم به إلا المسئولون عنه والتي من حق الرأي العام أن يلم بكل جوانبه الكارثية التي فاقت حاجة الدولة ونتساوى فيها مع الدول الكبرى ذات النفوذ الدولي الواسع. في تقديري نحن في حاجة ماسة لتقنين الصرف العام وتوجيهه وتقليص الهدر الحكومي الفوضوي للمال العام.
المواطن يتساءل عن سعر الوقود والكهرباء وباقي الأسعار المدعومة؟ يتساءل عن مرتبه الذي سينخفض بعد هذا القرار، يتساءل عن أسعار السلع في ضوء الزيادات في أسعار الدولار التي ستتبع خفض قيمة العملة ولا شك... يتساءل عن أشياء كثيرة والصمت المطبق حتى الآن هو ما تقدمه لنا الدولة انتظارا لليوم الثالث من الشهر الأول من السنة القادمة.
دور الإصلاحات الشاملة وغير مجاملة لأحد ومنها توحيد سعر الصرف ضرورة ولا شك في ذلك، ولكن وحده وبدون شفافية وتوافق وتناغم بين مؤسسات الدولة المختلفة، لن يكون قراراً في صالح المواطن، بل إنه سينهك كاهله ويزيد أعباءه، وتزيد دوامة التخبط وفقدان البوصلة لإدارات الدولة المختلفة لفقرها للتناغم بين بعضها البعض، فيما أموال الدولة تسرق والفساد ينتشر بشكل غير مسبوق.