Atwasat

مدركات الفساد وأثره على الاقتصاد الوطني

مجدي الشبعاني الأربعاء 16 ديسمبر 2020, 07:05 مساء
مجدي الشبعاني

الفساد ظاهرة عالمية عابرة للحدود تمكنت واستوطنت وأصبحت أسلوب حياة في الكثير من المجتمعات. وتحتاج هذه الظاهرة كإشكالية عالمية ودولية إلى أن يتم تحليلها وإحصاؤها كعمل أولي لإيجاد الحلول المناسبة لها. ولا يتم هذا إلا بعد تشخيص مكمن الداء للبحث عن علاج ناجع ونافع.

وأحاول في هذه المقالة بيان سبب اهتمام الدول بمؤشر مدركات الفساد، وأثره على الاقتصاد الوطني، ولا يتأتى هذا إلا بالتعرف بشكل دقيق على هذا المؤشر وآلية إصداره والكيفية التي يصدر بها والمصادر التي يعتمد عليها بشكل أساسي لتحديد ترتيب الدول بالمؤشر.

كيف يتم اختيار الدولة؟
إن عملية إدراج الدولة في مؤشر الفساد، لا يعني وجود فساد بها في تقرير المنظمة السنوي. إنما يعتمد ذلك على توفير معلومات عن حالات فساد فيها. كما أنه من الضروري توفير مصادر موثقة لجمع المعلومات عن هذه الحالات. ويعتمد ذلك على استطلاعات ماسحة، تجريها مؤسسات مستقلة.

وسمي هذا المؤشر بمؤشر مدركات الفساد وليس بمؤشر الفساد ولهذا دلالات! لكون الفساد في أي دولة من الدول يعمل في الخفاء. ويحرص الفاسدون في أي دولة على أن يتم فسادهم بالتخفي. إلا أنه يمكن إدراك آثار هذا الفساد بشكل واضح على أوضاع كثيرة في أي دولة من الدول.

ويصدر هذا المؤشر عن منظمة الشفافية الدولية كل عام. ويصدر عن المنظمة عدد من البحوث العالمية الخاصة بمنظمة الشفافية الدولية، مثل: مؤشر دافعي الرشوة Bribe Payers Index ويرمز له اختصارا BPI، وصدر لأول مرة في العام 1999 وهو مؤشر غير سنوي. والتقرير العالمي الشامل عن الفسادGCR Global Corruption Report. ويركز في كل عام على دراسة الفساد في قطاع حيوي من قطاعات العمل بالدولة.

ومقياس الفساد العالمي GCB، تقييم النزاهة الوطني NIS، الشفافية في تقارير الشركات TRAC. إلا أن مؤشر مدركات الفساد Corruption Perceptions Index هو أهم هذه التصانيف. وصدر لأول مرة في العام 1995م.

وهو مؤشر سنوي يقيّم الدول ويرتبها وفقا لدرجة وجود الفساد بين المسؤولين والسياسيين فيها بناءً على إدراك رجال الأعمال والمحللين والسياسيين، ومنهم المتخصصون والخبراء من الدولة نفسها التي يتم تقييمها من المقيمين فيها أو من غير المقيمين. ويُعَدُّ مؤشرا مركبا ويسمى بمسح المسوح، لأنه يعتمد على البيانات التي يتم جمعها عن طريق مسوح واستطلاعات رأي متخصصة تقوم بها مؤسسات مختلفة ومستقلة.

ويركز المؤشر بشكل أساسي على الفساد في القطاع العام (الرشوة والاختلاس والوساطة والمحسوبية وغسيل الأموال والكسب غير المشروع وغيرها).

____________________________________
ترتيب ليبيا في مؤشر مدركات الفساد في السنوات الماضية بدءا من العام 2019م

السنة               الترتيب            الدرجة (من 100)            

2019                168               18
2018                170               17
2017                171               17
2016                170               14  
2015                161               16–
2014                166               18–
2013                172               15–
2012                160               21–
____________________________________

المنهجية العامة لاحتساب مؤشرات الفساد
وتتلخص المنهجية في أمرين أساسين: طريقة حساب مؤشر مدركات الفساد: منهجية حساب المؤشر منذ العام 2012 والسنوات التالية تم من خلال ترجمة البيانات على مقياس بتدرج من 100 – 0. حيث تعادل الدرجة 0 أعلى مستوى من مستويات الفساد المدرك أي تصور القطاع العام للدولة باعتباره فاسدا للغاية في حين تعادل الدرجة 100 أدنى مستوى من مستويات الفساد المدرك أي تصور القطاع العام للدولة باعتباره نظيفا تماماً.

يتم إجراء ذلك عن طريق طرح الوسط الحسابي لمجموعة البيانات وقسمة الناتج على الانحراف المعياري لينتج عنها نقاط معيارية  standard point، والتي يجري العمل على تعديلها لاحقاً للحصول على وسط حسابي يتم تحديده لاحقا، وعلى انحراف معياري يتم تحديده لاحقاً (حيث تلائم مجموعة البيانات مقياس مؤشر مدركات الفساد بتدريج 100 – 0 ثم يتم حساب معدل الوسط الحسابي لجميع النقاط التي تمت معايرتها لتلك الدولة)، وثم يتم تقريب مجموع النقاط إلى أعداد صحيحة.

مصادر مؤشر مدركات الفساد
يعتمد مؤشر مدركات الفساد على مصادر كثيرة.  ويضم المؤشر إحصائيات من عدد من المصادر مأخوذة من عدد من المؤسسات المستقلة.  ويختلف عدد المصادر من دولة لأخرى حيث تكون كثيرة لبعض الدول وقليلة لدول أخرى.  وتحسب جميع المصادر مجمل إدراك حجم الفساد من خلال مدة التكرار وحجم الرشاوى (في القطاعين العام والسياسي و لا تميز المصادر بين الفساد الإداري والفساد السياسي الذي يركز بشكل أساسي على تمويل الأحزاب واستغلال المناصب العامة لأغراض حزبية وكافة المصادر تعطي تصنيفا للدول).

ويقيّم حجم الفساد في الدولة من قبل مجموعتين المجموعة الأولى تتمثل في خبراء مقيمين في البلاد أو خارج البلاد، أما المجموعة الثانية فتتمثل بقياديين في القطاع الخاص. وهذا ما يقدح في مدى مصداقية البيانات التي تم الاعتماد عليها من الأساس. ويشمل مؤشر مدركات الفساد لكل سنة مصادر متشابهة مع تغير طفيف وحسب وثوق المنظمة بالمصدر. معايير المصدر تتمثل في أنه يركز على القطاع العام.

وأن يكون قائماً على منهجية تمتاز بالصدق والثبات. و أن يتم تنفيذ ذلك من قبل مؤسسة ذات مصداقية. وأن يكون من المتوقع تكرار ذلك على نحو منتظم.

ونضرب هنا مثالا عن العام 2019م وتشخيص جديد لحال الفساد لعدد 180 دولة تضمنها المؤشر من الدول الشمال إفريقية ودول عربية، حيث ركزت منظمة الشفافية الدولية في مؤشرها للعام 2019م على «الفساد السياسي» أو «الفساد والنزاهة السياسية».

تم التركيز على بيان: أي الدول تتمتع بإنفاذ أقوى لقوانين ولوائح تنظيم تمويل الحملات الانتخابية. أي الدول تعطي مساحة واسعة للمشاورات السياسية. أي الدول براح جيد لتطبيق الديمقراطية.

أكدت المديرة التنفيذية لمنظمة الشفافية الدولية باتريشيا موريرا على:
- أن غياب إحراز تقدم حقيقي ضد الفساد في معظم الدول هو أمر مخيب للآمال وله آثار سلبية وخيمة على المواطنين حول العالم. وأضافت: «لدينا فرصة لإنهاء الفساد وتحسين حياة الناس علينا معالجة العلاقة بين السياسة والأموال الضخمة، يجب تمثيل جميع المواطنين في صنع القرار».

- سيطرة ذوي النفوذ السياسي وتأثيرهم على الحكومات وفرض رغباتهم وأهوائهم عليها بات أمرا ملحوظا وبالأخص في الدول التي تتصدر ذيل الترتيب.

- عدم وضوح مصادر التمويل السياسي وغياب التشريعات التي تنظمها أو وجود تشريعات غير ذات فعالية.

- وجود تدابير غير ذات جدوى يمكن تجاوزها من قبل المتنفذين سياسيا وبالتالي تظل هذه التدابير رهينة الفساد السياسي.

سبب اهتمام الدول وسعيها الدؤوب لتحسين ترتيبها في هذا المؤشر
هذه المؤشرات لها آثار على سمعة الدول قد تكون إيجابية أو سلبية. تؤثر على الدول بحيث تجعلها بيئة جاذبة أو طاردة للاستثمار.

فوفقاً للقاعدة الاقتصادية المعروفة (رأس المال جبان)، تخشى الشركات الكبرى والناجحة دخول الدول التي تتذيل الترتيب. وأصبح لزاماً على دولة كليبيا تتصدر قائمة الدول الأكثر فسادا أن تركز على الآتي:

- تكاتف كافة المؤسسات بها لتحسين ترتيبها في مؤشر مدركات الفساد العالمي.

- ضرورة وضع استراتيجية واضحة المعالم لكامل الدولة الليبية لمكافحة الفساد ومنعه قبل وقوعه من قبل السلطات العامة فيها.

- ضرورة فاعلية السلطة التشريعية بتفعيلها المؤسسات الرقابية المعنية بمكافحة الفساد تفعيلا جيدا ودعمها لأداء مهمتها المنوطة بها.

- الفساد ذكي ويحتاج إلى تشريعات ذكية وهذا يتطلب تطوير المنظومة القانونية.

- سن التشريعات الهامة التي تتطلبها الدولة لتكون متوائمة مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وأهمها قوانين تنظم الأحزاب ومصادر تمويلها وحماية الشهود والمبلغين، وتضارب المصالح والتمويل الانتخابي والفساد السياسي وغيرها.

- دعم المؤسسات المعنية للقيام بالدراسات والأبحاث ذات العلاقة ولتكون أكثر فاعلية في إنفاذ القانو.

- ضرورة دعم السلطة القضائية لتكون فاعلة في إحقاق العدالتين المدنية والجنائية.

- تكاتف كافة السلطات العامة في الدولة لحماية الحقوق الأساسية.

وأخير أختم ورقتي هذه بأن: محاربة الفساد أولا وأخيرا يتطلب إرادة سياسية أو قرارا سياسيا.  فإذا بدأ السياسيون في تطبيق هذا المعيار على أنفسهم واتضحت مصادر تمويلهم، وآلية الإنفاق والداعمين، كانت هذه أولى الخطوات لتعزيز النزاهة والحياة الديمقراطية الجيدة التي تصل فيها كل الحقوق لذويها ولمستحقيها دون قيد أو شرط.

_____________________
* خبير حكومي ومدير إدارة الشؤون القانونية بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.