Atwasat

نور تاناروت وظلام الأوقاف

عبدالله الغرياني السبت 12 ديسمبر 2020, 12:59 صباحا
عبدالله الغرياني

نعم، ودون تردد، نور تاناروت في مواجهة ظلام الأوقاف. نور تاناروت الذي ظهر وبان علينا بعد ظلام وقتل ودمار وحرب شرسة استمرت لثلاث سنوات للخروج من ظلام الإرهاب، إرهاب تنظيمي القاعدة وداعش في بنغازي، تاناروت المؤسسة والمنبر والواجهة الثقافية والفنية والإنسانية، تاناروت بداية الأمل الذي ننتظره والألوان التي نزيل بها الظلام الذي خلفه الإرهاب في كل شارع وبيت وميدان ومنطقة وحي في بنغازي. تاناروت هي قافلة الوعي والثقافة التي يجب الدفع بها حتى تعبر شوارع وأحياء ومناطق المدينة لتنجح في توزيع المعرفة والثقافة على شبابنا الذين أصبحوا ضائعين وغير مدركين لحجم المسؤوليات التي عليهم الالتزام بها ومهمتهم التاريخية لتوريث الأجيال الناشئة والقادمة المعرفة والإبداع والثقافة. وكالعادة، وبسبب انشغال السلطة في نهب وتدمير المؤسسات والانتقام من كل صوت ينادي بالحق والحقوق تعمدت السلطة تجاهل معركة نشر الوعي والثقافة التي من المفترض أنها واكبت معركة السلاح. وتبين أن السلطة لا يهمها ذلك طالما أن المعركة انتهت بانتصارها. لا مانع لديها من خلق إرهاب ناعم آخر يقدم لها الولاء والطاعة ويصمت أمام الفساد. هذا الإرهاب تمثل في هيئة الأوقاف بذراعها الأمنية، شرطة الآداب التابعة لوزارة الداخلية، والعسكري، السرية العاشرة بكتيبة طارق بن زياد وكتيبة التوحيد 210. 
 
 نور تاناروت لا يراه ويستشعر دفأه إلا الذين ناضلوا بصدق وإخلاص للقضاء على الإرهاب الديني وكانوا ينادون بضرورة إنهائه والتمرد عليه، كون هذا الإرهاب لا يمثل الدين الحنيف ولا شريعته وهو مزيج من أفكار مسمومة وفتاوى مضللة يتم تعليبها وتصديرها لبلادنا لخدمة جماعات وتيارات إجرامية من خارج الحدود هدفها إحلال الظلام داخل بلادنا والانتقام من الهدوء الديني والعقائدي والمذهبي الذي يعيشه شعبنا، وهذا ما يحدث اليوم من جديد بعد معركة التحرير التي قادها شباب المدينة وقوات الجيش ضد الإرهاب ليحل علينا إرهاب بديل لا يختلف تطرفا وإجراما عن الإرهاب الأول. فالأول استهدف المؤسسات المدنية الثقافية والفنية باسم التكفير، واليوم باسم الفسق والماسونية. الأول حارب عقيدة المجتمع تحت شعار المرتدين، واليوم بشعار المبتدعين، والمقارنات بينهم لا تعد ولا تحصى. 
 
 نور تاناروت ظلام الأوقاف، نور الفن والثقافة والأدب والإبداع، وظلام التبديع والتكفير والحقد والانتقام والتحريض، نور تاناروت يستمتع به من يراه ويجلس بجواره، وظلام الأوقاف يعمي النظر ويحرق من يدخل ويتعمق فيه. تاناروت لا تتاجر بالدين ولا تجعل من نفسها وصية على أخلاق المجتمع المسلم. أعضاء تاناروت والمثقفون المساهمون في برامجها ونشاطاتها مسلمون ومؤمنون يخافون على دينهم، ولكنهم لم يجعلوه وسيلة لنشر الظلام، وأما الأوقاف فتجعل من نفسها وصية على المجتمع المسلم وتستمد خططها وفتاويها من خارج الحدود، وكأن بلادنا لم تر الإسلام يوماً وشعبنا لا يعرف الأخلاق والقيم. الشعب الذي أنا فرد منه وكبرت على كلمة هذه عيب وهذا غلط، ولما بدأت أنضج عرفت أن العيب والغلط أساس لا يجب تجاوزه والذي لم يتربَّ على العيب والغلط أصبح كبيرا ونضج والتحى وبدلا من أن يهتم بتعليم نفسه أخذ يعلمنا العيب والغلط ونصب نفسه وصيا دينيا وأخلاقيا على المجتمع وبدأ بتاناروت البعيدة عن العيب والغلط. 
 
 كلنا معكم يا تاناروت، وعليكم أن تعرفوا أننا في أول المشوار، ومهما كان حجم الحرب التي تشن عليكم، لن تكون أشد من حرب تنظيمي القاعدة وداعش السابقة التي تصدينا لها سوياً في صف واحد قبل الآخرين الذين كانوا يدعون ربي لأن ينصر الحق، وانتصرنا نحن في الأخير وهم اليوم يعرفون بأننا على حق، وأن ما بداخلهم حقد ومرض أصابهم ويريدون نشره للناس، وتاناروت ضد الحقد وضد نشر الأمراض الخبيثة بين الناس. 
 
 وأوجه هذه الرسالة للأوقاف: كفاكم استغلالا لهذه المؤسسة الدينية التي أصبحت الواجهة الدينية الأخيرة للناس. اجعلوها مؤسسة يثق فيها الجميع تنشر وتدعم الاعتدال والمظهر الحسن للإسلام، أو افتحوا أبوابها واخرجوا منها وسلموها لأهلها الذين تم إقصاؤهم وسجن عدد منهم بسبب تقاريركم الكيدية. وأما مكافحة الرذيلة والفساد والفسق والعهر، كما تدعون، فيبدأ من المؤسسات التي أنتم جزء منها ويبدأ من البلد الذي استمددتم منه أفكاركم. 
وللسيد رئيس الحكومة المؤقتة أقول: أنا أعلم بأنهم فُرضوا عليك مثلما فُرضوا في وزارة الداخلية والجيش. ولكن عليك التدخل لإبعاد هذا الظلام عنا. الظلام الذي يريد حرق الثقافة والفن والإبداع.
 ورسالة إلى بلقاسم خليفة حفتر: أنت الدينامو المحرك بالنسبة إليهم، وفرضك هؤلاء علينا لا علاقة له بخدمة الدين أو مكافحة الرذيلة. فالدولة لها مؤسساتها والبلاد لديها من رجال الدين أعداد كبيرة يتخطى الألف جلهم لا يدعمون هؤلاء وما يدعون إليه. فلا مبرر لتنصيبهم حراسا أخلاقيين على صفوة أبناء المجتمع من المتعلمين والمثقفين والجمهور المتعطش للمعرفة والإبداع، هؤلاء الصفوة هم الذين أعلنوا المعركة المدنية الأولى ضد إرهاب تنظيمي القاعدة وداعش بشكل مدني أعزل من السلاح، وقدموا التضحيات وطالتهم الاغتيالات قبل غيرهم. عليكم الاختيار بين نور تاناروت وظلامية الأوقاف، رغم أن الأمر يفترض أن يكون محسوما. ولكن أمامكم فرصة الاختيار، وقد لن تتكرر. فلن نكتوي اليوم من جديد بسبب إرهاب الآخر يريد ممارسة التضييق والقمع ضدنا باسم الدين والوصاية الأخلاقية.
 
 وأختم: 
 تاناروت، يا واحة الإبداع. ستبقين الشمس التي تشرق ولن تغيب. وسنرتوي جميعاً من ماء البحيرة ونوقد نيران الدفء، وعند حلول الظلام سوف نتطوع لحراستك. فأنت الواحة التي عبرنا بعد عطش وتعب للوصول إليها.