Atwasat

ص. ب 333

سالم الكبتي الأربعاء 18 نوفمبر 2020, 08:07 صباحا
سالم الكبتي

هذا رقم صندوق بريد الإذاعة الليبية في أعوام مضت. ظل المستمعون على اختلاف أنواعهم يتواصلون معها من خلاله. رسائل عديدة واقتراحات ومساهمات. كان للراديو والإذاعات شأن آخر. في البيوت والمقاهي وكل الأمكنة التي يطالها البث وأجهزة الأثير عبر الأبعاد..

أيامها كان من ضمن البرامج التي اهتمت بها الإذاعة ومسؤولوها (بريد المغتربين) نهاية الخمسينيات وطوال بدايات الستينيات الماضية. تحلق حوله وعبر الراديو العديد من المستمعين في كل المناطق البعيدة والقريبة من الوطن. حقق نجاحا كبيرا ونجح في ربط المستمع مع الإذاعة وخدم بلغته وطريقته وأسلوبه الكثير من الناس البسطاء. كان الراديو نافذتهم الوحيدة المشرعة على العالم. الأغاني والأحاديث ونشرات الأخبار. كانت فترات الإذاعة تبث بعض الوقت في الصباح، ثم مثله في الظهيرة، وبعدها تبدأ فترة أخرى طويلة إلى حد ما هي المساء والسهرة. تغلق الإذاعة أبواب إرسالها وتنام.. وينام معها المواطن إلى يوم جديد.

لحن البرنامج المميز أو (تيمه) كان مؤثرا يحمل على جناحيه الشجن والحنين. ويستدعي الانتباه والتوقف. لازمة جميلة ومؤثرة فيها إيقاظ للمشاعر على الدوام. وديع الصافي من جبال لبنان يصل إلى آذان الليبيين في المرابيع والمقاهي والأزقة، مع الإيقاع والكورس والهتاف:

(ها الموقد المحسود
من عهد الجدود.. ياهل ترى بيعود؟
حلت دروب الجود
بأسود الحمى والعود والعنقود
وقدود الورود ..)

ثم النداء الأكثر شجنا.. وحنينا:
(عودوا لحضن الأم ع جناح الهوى
يابا عودوا كفاكم قهقرى وهجر ونوى)

والمزيد من الكلمات والنداء.. والاشتياق. تنهمر الرسائل بلا توقف على البريد. تذاع وتتكرر. كان أغلب من يستمع ويتابع يناشد أقاربه وأحبابه الذين انقطعت صلتهم بالوطن بعد الهجرات المختلفة في الأقطار المجاورة أيام الاحتلال الإيطالي. نزوح وبعد وغربة وانقطاع عن الوطن والأهل. مناشدة ملحه بالعودة والتواصل.

ويأتي صوت المذيع.. مقدم البرنامج: الرجاء ممن يعلم عنه شيئا إبلاغ البرنامج أو صاحب الرسالة على عنوانه المذكور. وأحيانا يشير إلى البعيد وفقا لما ورد في سطور الرسالة.. يقال عنه بأنه في تونس أو صفاقس أو الفيوم ....... وغير ذلك من أماكن.

نجح البرنامج ونجحت الإذاعة في ربط الصلة وتحقيق فرصة جمع الشمل وعودة الكثيرين من المهاجر والأبعاد والالتحاق بالوطن من جديد. كان للوطن قيمة قبل أن تموت المشاعر والأحاسيس في النفوس التي صار الوطن لديها حزمة من المصالح شراء وبيعا ومقايضة تقارب ضياعه بالمرة، إن لم يكن قد ضاع في الأساس. تفرق العديد من الأبناء ثانية في كل الأنحاء المترامية. انقطعت صلتهم تماما بالأرض. ليس ثمة إذاعة أو برنامج أو صندوق بريد. فشلت الوسائل الأخرى رغم التقدم المذهل في تحقيق التحسيس بقيمة الوطن الغالية.

.. وها الموقد المحسود
من عهد الجدود.. ياهل ترى بيعود ؟

صندوق بريد 333.. لم يعد موجودا!!