Atwasat

لماذا مد أبو حنيفة رجليه ؟

جلال عثمان الإثنين 16 نوفمبر 2020, 12:14 مساء
جلال عثمان

كان أبو حنيفة يجلس مع تلاميذه في جلسة الدرس الاعتيادية.. وقد عرف عنه مد رجليه بسبب آلام في الركبة، وقيل أنه قد استأذن طلابه في ذلك.. في أحد الأيام وهو يعطي درسه المعتاد، جاء إليه رجل، قد بدت عليه علامات الوقار، فما كان من أبي حنيفة إلا أن طوى رجليه، وتربع تربع الأديب الجليل، بحسب الرواية.

كان للرجل سؤالٌ واحدًٌ: أجبني يا أبا حنيفة إن كنت عالمًا يُتَّكل عليه في الفتيا: متى يفطر الصائم؟

ظن أبا حنيفة أن بالسؤال مكيدة، قد لا يمكن لعلمه من مجاراتها، فأجابه على حذر: يفطر إذا غربت الشمس.

فرد الرجل:
وإذا لم تغرب شمس ذلك اليوم يا أبا حنيفة، فمتى يُفطر؟
عندها قال أبو حنيفة قولته المشهورة، والتي ذهبت مثلًا.
"آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه"

لا أدري ما إذا كانت الرواية حقيقية، أم من نسج الخيال، لمجرد العظة والعبرة، فالتراث الإسلامي ملئ بقصص الخيال غير العلمي.. ولكن يبقى السؤال، لماذا لم يمض أبو حنيفة إلى عمق السؤال، واكتفى بضفافه، فالسؤال منطقي، ولا ينبئ عن أي خلل في ذهنية السائل.

فعلاً وإذا لم تغرب الشمس، هل يفطر الصائم!؟

في دولة مثل فنلندا لا تشرق الشمس لستة أشهر، ثم لا تغرب لستة أخرى، وفي قرية روجان النرويجية لم ير السكان الشمس في فصل الشتاء، إلا في أكتوبر من العام 2013 بعد أن تم تثبيت مرايا عاكسة على قمة الجبل المطل على القرية.. كيف يصيم ويفطر المسلم، إذا كان ضمن فريق ناسا في رحلة خارج حدود آلأرض؟!

في العام 2004 زرت بلدًا اسمه بشكيريا، تحيط به روسيا من جميع الاتجاهات، قضيت هناك ثلاثة أسابيع، وفي الأسابيع الثلاثة كانت الساعة تشير للحادية عشرة ليلًا، والشمس لم تغرب بعد.. فالشمس هناك وفي ذلك التوقيت كانت تغيب الساعة 11:30 ليلًا لتشرق من جديد عند الساعة الثالثة صباحًا.

لقد أفشل التراثيون أي محاولة نقدية جادة، في الدين والسياسة والاجتماع، وأقصد بالدين هنا التفسيرات المختلفة والمتناقضة، التي وردت في كتب التراث الإسلامي، وأيضًا الدين الموازي الذي أوجده بعض أولائك الكتاب، والذي استندوا فيه إلى روايات تتعارض مع النص القرآني.. لقد ساهم هؤلاء في تكرار الأفكار بلا أدنى حد من التفكير النقدي، ومنذ العصر العباسي الثاني الذي شهد إحراق مكتبة بغداد، وإعدام علمائها على يد المغول، وانتشار نفوذ الأتراك – منذ هذا العصر تجمدت ثقافة النقد، وتحولت الفلسفة إلى نوع من الزندقة، بعد أن كان لها تأثير كبير حتى على أوروبا، من خلال التاثير المباشر على جل التخصصات الفلسفية فيها.

حاول بحاث كثر لن يكون آخرهم الدكتور والباحث محمد شحرور، البحث النقدي في التاريخ الديني، وتاريخ الإسلام السياسي، فتمت شيطنتهم جميعًا، بذريعة المس بالثوابت والمقدسات.

إذا أصر أحفاد أبي حنيفة على مد رجليهم في مواجعة أي نوع من الأسئلة المشروعة، ستظل ثقافتنا ثقافة ردود أفعال، وثقافة نسخ ولصق، ولن تحمل للأجيال اللاحقة أي نوع من التطور الفكري، والتنمية، والعدالة الاجتماعية.