Atwasat

سباق كوفيد19

رافد علي الأربعاء 11 نوفمبر 2020, 02:34 صباحا
رافد علي

تتوارد في وسائل الإعلام العالمية بين الفينة والأخرى أخبار عن اكتشاف لقاح لجائحة كوفيد19 التي ما زالت تحاصر العالم في موجتها الثانية، مخلفة ما يقرب على مليون ضحية، وأعدادا هائلة من المصابين حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية. منظمة هيومن رايتس واتش في تقريرها الصادر آخر أكتوبر الماضي، تلقي الضوء فيه على حالة سباق محموم لصناعة اللقاح الذي سينقد العالم من هذا الوحش المتربص بالجميع. هيومن رايتس واتش في تقريرها تنتقد بشدة حالة انعدام شفافية الحكومات المنخرطة في السباق، وتتخوف المنظمة من أن المتسابقين قد يكونون غير ملتزمين بمبادئ حقوق الإنسان في سباقهم، بسبب طوق السرية الشديدة التي تحيط بكل التجارب في المعامل الطبية، حيث الأعمال جارية للحصول على مصل علاجي لوباء العصر. وتنبه المنظمة بحرص شديد من أن القرائن الموجودة تشير بشكل مقلق إلى أن التوجه السائد، حين الحصول على لقاح ناجع، أنه سيكون من نصيب الغني، باعتباره الأكثر حظاً، ولهذا عنونت هيومن رايتس واتش تقريرها باسم «من يجد المصل الشافي عليه بمشاركته».

منظمة OXFAM الدولية حللت في الأسابيع القليلة المنصرمة بعض المعلومات والمعطيات المتاحة لاتفاقيات بخصوص تصنيع لقاح ناجع للجائحة الحإلىة، واستخلصت أن خمسة من أصل تسعة لقاحات مرشحة لتكون في الاختبارات النهائية قبل اعتمادها رسمياً كعلاج مناسب، يتبين أن 51% منها أمصال محجوزة مسبقاً للدول مرتفعة الدخل بالإضافة لأستراليا، وهونج كونج، وإسرائيل، واليابان، وسويسرا، والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، رغم أنهم يمثلون فقط 13% من سكان العالم.
القلق الذي يكتسح المنظمات غير الحكومية على الساحة اليوم، والمقترن قلقها بحالة ترقب شديدة عالمياً للإعلان عن اللقاح الناجح، ينصب هذا القلق على أن الحكومات المتسابقة تنفق من مالها العام على المخابر والمعامل الطبية، بلا أن تكشف عن تفاصيل هذا الإنفاق، ولا تمنح أي معلومة عن حجم المبالغ المنفقة، بما يضع تلك الحكومات في خانة عدم الشفافية كما ترى الهيومن رايتس واتش.
السباق لحوز عَقار أو لقاح يعتبر سباقاً مفتوحاً، ولا يخلو من المغامرة التجارية بكل عناصر الإثارة فيها. تقرير المنظمة الدولية يقول إن إسبانيا، الدولة التي لم تتعاف كلياً من أزمتها المإلىة التي ضربتها بسنوات قبل تفشي كوفيد 19، تزاحم هي أيضاً، وبقوية في السباق المحموم من خلال إبرام اتفاقيات ثنائية مباشرة مع معامل البحث الطبي ومختبراته، أو من خلال التمويل غير المباشر، مثلها في ذلك مثل كل الدول المنخرطة في سباق مصل كوفيد19.
الدول الفقيرة، أو متوسطة الحال على علم ودراية حتماً بحالة التنافس هذه، وتدرك بأن من سيملك الترياق الشافي من كورونا، إلى جانب أنه سيجني الأرباح الطائلة، فإنه بذات اللحظة سيسعى بالدواء للمساومة السياسية لأجل تحقيق مكاسب أعمق مع جيرانه أو غرمائه السياسيين لتعزيز موقعه وتحقيق مكاسب على مستوى الجغرافيا، كما في قضايا الحدود، أو على نطاق التاريخ، بأن يسجل نصراً لأمته على منافسيه بما يرفع معنويات الأمة. كوستاريكا، الدولة الصغيرة والفقيرة، سعت قبل أشهر لإطلاق مبادرة دولية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية أُطلق عليها:COVIDE 19 TECHNOLOGY ACCESS POOL(C. TAP). بهدف استفادة كل دول العالم من اللقاح المعالج، وتبادل المعرفة المتعلقة بالمصل، وفنون تصنيعه. واقع الحال أن أربعين دولة فقط من دول العالم قد تبنت مبادرة كوستاريكا، والمثير في الأمر أن جميع هذه الدول المتبنية المبادرة هي من الدول الفقيرة، أو دول تعيش دون خط الفقر أو على حافته، حسب ما يبين موقع منظمة الصحة العالمية.

تقرير البنك الدولي الصادر في مايو الماضي أشار إلى أن الجائحة الكورونية قد تدفع بما بين سبعين مليون شخص إلى مائة مليون شخص بالعالم إلى دون خط الفقر، منهم من يعيش اليوم على أقل من دولارين في اليوم. هذا الرقم المخيف، وكل التهديدات القائمة أمام استمرار شراسة الوباء، وتبعاته المروعة على الاقتصاديات الكبرى والصغرى، تجعل الإنسان يضم صوته لصوت منظمة هيومن رايتس واتش بضرورة جعل المصل المرتقب لكورونا متاحاً للجميع، ودون أي تميز بين الفقير والغني أو الجنس أو اللون. ذات المنظمة أشارت في تقريرها المذكور أعلاه إلى ان التقديرات المتوقعة لسعر المصل المستقبلي تتراوح ما بين 3 دولارات للجرعة و70 دولارا للجرعة، كلاً حسب تركيبته الكيمائية، ونوعية المواد الداخلة في تركيبته. جائحة كوفيد19 الراهنة أثبتت حالة الصراع في العالم بين المثإلىة والبرجماتية المتبلورة في طغيان النزعة الفردية، لا على مستوى الأفراد فقط، بل وعلى مستوى الدول التي يحكم علاقاتها الدولية نظرية النيوريالزم، أو الواقعية الجديدة، التي ترتكز على القوة أساساً. وكما يقول المأثور الليبي «مدام ماتشقاش بروحك، تمشي في الرجلين».