Atwasat

اللغة مشروع وجود ونهضة «3-3»

فلاني عبدالرحمن الزوي الأحد 18 أكتوبر 2020, 11:37 صباحا
فلاني عبدالرحمن الزوي

يقول آينشتين: «إذا لم تكن قادرا على إيصال فكرتك لطفل عمره ست سنوات، فأنت نفسك لم تفهمها بعد، أي تلك الفكرة». فمن أهم طرق إيصال المعلومة من المعلم للمتعلم هي استيعابه وفهمه هو لها أولا وقبل كل شيء، ليكون قادرا على توصيلها وتفهيمها بيسر وسلاسة لطالب العلم، والانطلاق من أرضية واحدة يقف عليها المعلم والطالب، وتستخدم في تحصيلها مفردات وأمثلة من لغتهما وكل الوسائط والقواسم المشتركة بينهما، والمستمدة من ثقافة وإرث المجتمع الذي ينتميان إليه وبأيسر الوسائل سهولة وملاءمة، هذه المُسَلَّمة تتجلى واضحة في فارق الاستيعاب والتمكن لدى الطالب من أستاذ لآخر ولنفس المادة، ومقارنة كم وزمن تحصيله من أستاذ آخر لم يكن قادرا على إيصال المعلومة لعدم تمكن الطالب أو المعلم من إتقان لغة واحدة مشتركة بينهما، أو لتباين في الوسيلة، أي اللغة بينهما، وقلما تعزى تلك النقيصة لعدم جدية أو رغبة الطالب في تلقي المعلومة. 

فلو اقتنعنا بأن نسمي مثلا، «التهابا حادا في الأعور أو ما يُطلق عليه البعض التهاب حاد بالزائدة الدودية، أو الالتهاب الحاد أو المزمن بالحوصلة الصفراوية»، كبديل عن الاسم الذي أطلقه غيرنا من أسماء بلغاتهم الأم، «آكيوت آبنداسايتس، Acute appendicitis، أو آكيوت، أو كرونك كولي سيستايتس، Acute/chronic cholecystitis مثلا»، فهل ألحقنا بالترجمة أو بالتسمية بلغتنا هذه أي خلل أو شطب في المحتوى والمعنى أو المضمون العلمي لوصف تلك الحالة المرضية؟ الإجابة بكل تأكيد وثقة ستكون بلا، قطعا وأننا لم نلحق أو نحدث أي تحريف أو تغيير في وصف الحالة تلك وبأسماء لغتنا نحن. 

بالنظر للوراء لنصف قرن فقط، نجد عددا لا بأس به من المفردات التي استحدثناها نحن وأصبحت متعارفا عليها بيننا دون إلحاق أي خلل بطبيعة وخواص ذلك الجهاز المعني والمستحدث في قاموسنا ولغتنا، من الهاتف إلى التلفاز أو المذياع أو آلة التصوير أو الحاسوب، والسؤال هنا، هل سيلحق باللغة العربية أي ضرر لو أبقينا على اسم الهاتف تليفون والمذياع راديو وآلة التصوير كاميرا والحاسوب كمبيوتر- «وهو ليس بحاسوب للعلم»- كل هذه الأسماء ناتجة عن تقنيات واختراعات جديدة نستخدمها في حياتنا اليوم، وأصبحت من ضروريات الحياة اليومية عندنا، جميعها لم تكن لها أسماء في لغتنا، بل أطلق عليها مخترعوها تلك الأسماء، ولا ضير ولا ضرر سيلحق بلغتنا إذا أبقينا على تلك الأسماء كما أطلقها مخترعوها ولن تعيب لغتنا أو تنعتها بالنقص بل بالعكس ستثريها. 

لقد أضفنا العديد من الأسماء التي لم تكن مألوفة في لغتنا ودخلت في قاموسنا بكل سلاسة وأصبحت جزءا منها، أنا هنا لم أقل أو أدع إلى أن نتخلى عما تعارفنا عليه منذ زمن بعيد من الأسماء عندنا، أو نترجم اسم النهر إلى ريڤر أو البحر إلى سي، أو السماء إلى سكاي، أو الشمس أو القمر أو البرق أو الرعد أو الضحى والمساء والغروب والليل، إلى أسمائها غير العربية والتي وجدت في قاموسنا ونزلت في القرآن العربي الفصيح المبين، قطعا ليس هذا هو القصد أو الهدف من هذا الطرح.

عندما أخذ طلاب العلم في أوروبا في القرن الثالث والرابع عشر الميلاديين عن علمائنا، لم يغيروا أو يلغوا اسم الكيمياء ولا الفيزياء ولا الجبر ولا اللوغاريتمات، بل نقلوها إلى لغاتهم كما هي نطقا ومضمونا. 

يقول المرحوم طه حسين عميد الأدب العربي: «إن هذه اللغة هي لغتنا يحق لنا أن نضيف عليها ما نشاء من الأسماء الجديدة والتي استحدثت ولم تكن معروفة بيننا في الماضي». هذا النهج لن يمس بجوهر لغتنا والمحافظة عليها، التي دون شك قد حفظها الله بأن أودع فيها وبها آخر كتاب وآخر رسالة، ولهذا السبب فقط أعتقد بأنها لا تزال تقاوم وباقية كلغة حية بالرغم من افتقارها إلى أي مقومات أخرى للحياة، عدا أنها لغة القرآن وهو الذي حفظها وحافظ على بقائها حية ومتجددة، «وإنا له لحافظون» ليس لغة فحسب بل نصا وأحكاما. 

وللعلم، أنا لم أقل بأن هذا العمل هو أمر سهل جدا وبسيط، وأنه من الممكن تطبيقه على الفور اليوم أو غدا. كلا لم أقل ولا أظن ذلك سيحدث أو ممكن، ولكنني أؤمن إيمانا لا يشوبه الشك بأنه سيكون قرارا تاريخيا وصحيحا ولا ندامة في اتخاذه والتخطيط له، وستكون نتيجته إيجابية حتما، آخذين في الاعتبار أن الإرادة تقهر المستحيل وتجعل الأمر الذي يبدو صعبا بالإمكان التغلب عليه حتما ويصبح سهلا.