Atwasat

أميركا أمام مفترق طرق

جمعة بوكليب الخميس 08 أكتوبر 2020, 01:03 صباحا
جمعة بوكليب

جريدة «الجارديان» وصفتها بأنها «ليلة سيئة للعالم»، وجريدة «الفايننشيال تايمز» قالت عنها «جدال متهور يعرض الديمقراطية الأميركية للخطر»، في حين اختارت جريدة «التايمز» عنوانا مثيرا «الولايات المنقسمة الأميركية». ثلاثة عناوين لثلاث افتتاحيات في ثلاث جرائد بريطانية عريقة، ورصينة، ورئيسة، تمثل يسار ويمين الوسط، عبرت جميعها عن مدى الخيبة الناجمة عن أول جولة مناظرة بين المترشحين للرئاسة الأميركية، الجمهوري دونالد ترامب، والديمقراطي جو بايدن، مساء الثلاثاء الماضي، الموافق 29 سبتمبر 2020.

في العام 1960 نقلت على الهواء مباشرة أول مناظرة تلفزية بين مترشحين للرئاسة هما جون كينيدي عن الحزب الديمقراطي، وريتشارد نيكسون عن الحزب الجمهوري. بعد مضي 60 عاما على تلك الجولات عقدت في كليفلاند بولاية أوهايو جولة أولى من مناظرة منقولة تلفزيا مباشرة، بين مترشحين للرئاسة آخرين هما دونالد ترامب، وجو بايدن. الفرق بين الحالتين، يتمثل في ناحيتين: في المرة الأولى كان المترشحان شابين في الأربعينات من عمرهما، وفي المرة الأخيرة، في أوهايو، كان المترشحان عجوزين في العقد الثامن من عمرهما.

في المرة الأولى، تركز النقاش حول السياسات، واتسم بالجدية وبالاحترام. في المرة الأخيرة، لم يكن في المناظرة نقاش، بل جدال ومهاترات ومقاطعات، لمدة 90 دقيقة، لم تتبادل خلالها وجهات نظر، بل عراك ولغة لا تليق بمترشحين لشغل أهم منصب في العالم. في المرة الأولى فاز المترشح الديمقراطي جون كينيدي على مستوى المناظرة، بـأصوات المشاهدين، ثم بثقة الناخبين في الانتخابات. في تلك المناظرة الأولى، توطدت أساسات وأركان الديمقراطية الدستورية الأميركية، في وقت كانت الحرب الباردة بين الغرب الرأسمالي والشرق الاشتراكي على أشدها، وكانت أميركا قد بدأت الخوض في أوحال وأحراش المستنقع الفيتنامي. في المرة الأخيرة، لخصت افتتاحية جريدة «الجارديان» الموقف بتأكيدها أن الرابح في المناظرة هو الرئيس الصيني، والخاسر هو الشعب الأميركي. أغلبية المعلقين، سواء في أميركا، أو في غيرها من دول الغرب، وصفوا المناظرة بإجماع بأنها الأسوأ منذ العام 1960، وتمثل خسارة للديمقراطية الأميركية.

الانتخابات الرئاسية الأميركية للعام 2020، وفقا لتقارير إعلامية، من الممكن أن تكون أول مسمار يدق في كفن أقدم ديمقراطية دستورية في العالم، والأسباب عديدة. لكن أهمها أن الرئيس الحالي ترامب يرفض، حتى الآن، الإقرار علنا بتسليم السلطة سلميا في حالة خسارته الانتخابات، لأنه يرفض بشدة التصويت البريدي الذي فرض في كثير من الولايات منعا للازدحام في مراكز الاقتراع، وقاية من الإصابة بالفيروس. الكثير من المعلقين يرون أن الحسم النهائي لنتيجة الانتخابات سيتم في ردهات وصالات المحكمة العليا، أو بالاقتتال في الشوارع.

بعد يومين من الجولة الأولى من المناظرة الرئاسية، أعلن البيت الأبيض عن إصابة الرئيس ترامب وحرمه بالفيروس الوبائي. ونقل، على أثرها، في نفس اليوم إلى مستشفى عسكري في واشنطن. ما إن ظهر الخبر وانتشر حتى تسابق المعلقون إلى القنوات التلفزية والإذاعات للإدلاء بآرائهم في العديد من الاحتمالات الناجمة عن إصابة الرئيس، واحتمال تعقد المسألة الصحية، نظرا لأنه من الفئة العمرية الأكثر عرضة لتعقيدات الوباء صحيا. الإصابة جعلت إمكانية استكمال الجولتين المتبقيتين في المناظرة في رحم الغيب، هذا من ناحية. من ناحية أخرى، تبرز قضية توقف قطار الحملة الانتخابية للرئيس ترامب عن مسيرته بشكل مفاجئ، وفي وقت حاسم جدا، وعلى بعد فترة زمنية قصيرة من يوم 3 نوفمبر موعد التصويت، خصوصا أن استبيانات الرأي العام تشير إلى تقدم المترشح الديمقراطي بنحو سبع نقاط. الإحباط الذي سببته الجولة الأولى من المناظرة الثلاثية الجولات، جعل الأنظار، حاليا، تتحول باتجاه مناظرة أخرى، ستعقد هذا الأسبوع في ولاية يوتاه، بين نائبي المترشحين للرئاسة، وهما السيد مايك بنس نائب الرئيس الحالي، والسيناتورة كاميلا هاريس، التي اختارها السيد بايدن لتكون نائبته في حالة نجاحه في الوصول إلى البيت الأبيض. في المناظرة التي أجريت خلال انتخابات العام 2016 الرئاسية بين النائبين مايك بنس، وتيم كين نائب المترشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، تمكن بنس من الاستحواذ على إعجاب المشاهدين، وخرج منها مرفوع الرأس.

إلى جانب الأزمة الأخيرة، التي أحدثتها إصابة الرئيس ترامب بالفيروس، ودخوله المستشفى، هناك أسئلة كثيرة أثارتها هذه الانتخابات الرئاسية، وسط زحمة من أزمات اقتصادية وعنصرية وصحية تتسم بالتعقيد، وكل تلك الأسئلة في أمس الحاجة لإجابات. البعض من المعلقين الأميركيين يرى أن أساسات الديمقراطية الدستورية الأميركية قوية، وقادرة على مواجهة العواصف، في حالة مراعاة القانون والدستور. البعض الآخر يرى أن ما شهدته أميركا، خلال السنوات الأربع الأخيرة عموما، وفي هذه الانتخابات خصوصا، غير مسبوق وخطير، خصوصا حين يرفض رئيس مقيم في البيت الأبيض الإقرار علنا بتسليم السلطة في حالة فشله في الفوز، مضافا إلى ذلك التهديد الذي يمثله ظهور ميليشيات مسلحة في شوارع العديد من المدن في مختلف الولايات.