Atwasat

النخب السياسية الليبية.. الدور الضائع !

محمد الصريط الإثنين 05 أكتوبر 2020, 08:58 مساء
محمد الصريط

من البديهي أن تحدث الأزمات لدى بعض الشعوب والأمم نتيجة لعدة عوامل ومتغيرات سياسية واقتصادية وحتى اجتماعية ومسألة الاستجابة لإيجاد حلول تتجاوز بها الشعوب مراحل الأزمات يتوقف على جملة من النقاط لعل أبرزها هو ما مدى نضج نخبها وقادتهم وقدرتهم أيضا على إدارة الأزمة واستيعابها؟. لذلك، وفي الحالة الليبية ومع التغيير السياسي الذي حدث في عام 2011 ( ثورة فبراير ) وما لحقه من عدة متغيرات متتالية وسريعة جعلت من قفز على المشهد من بعض النخب السياسية في خانة "الاتهام" من قبل البعض بسبب الإخفاقات في تقليص حجم الاستحقاقات التنموية وحتى السياسية التي تزداد كل يوم تقريبا من عمر التغيير وضعف هذه النخب لإيجاد حلول حقيقة وجذرية لهذه الاستحقاقات تسعف ما يمكن إسعافه من هذا التدهور مما انعكس سلبا على نمط الحياة من الناحية الأمنية والسياسية وحتى التنموية.

ويرى البعض أنه "لم يبق في ثوب بعض النخب والقادة رقع للإصلاح" لكونها تعاني ضعفا في ما يعرف بـ "استيعاب مراحل التحول" التي تعقب أي تغيير سياسي تشهده الدول التي كانت تعيش لفترات من الزمن تحت وطأة "الأنظمة الشمولية" ودخلت هذه النخب والقيادات في صراع تقاسم الغنائم وبالتالي تحول المشهد المنتظر من رفاهية على كافة الأصعدة التنموية والسياسية إلى التصادم المسلح – الحرب الأهلية – رفعت فيها شعارات متنوعة ومتعددة وهي مرحلة صعبة جدا لأنها أفرزت اصطفافات ساهمت بشكل كبير في زيادة فاتورة الدم وتعميق فجوة الخلافات وصعوبة الحلول لفترات من الزمن كانت هذه الفترات أقل ما توصف بالسيئة لليبيين. واللافت أيضا أنه ومع موجات الحروب كانت تعقد الملتقيات الإقليمية حول ليبيا لإيجاد صيغ توافقية في محاولة لإنهاء الخلاف بشكل سريع يقلل الخسائر. ولكنها لم تكن صيغا مثمرة لكونها لم تعالج الأسباب الحقيقية من خلال التحاور مع القوى الفعلية المسيطرة على الأرض في بادئ الأمر، وهو سبب حقيقي وأساسي في تعثر اتفاق الصخيرات الذي كان يفترض أن يكون بداية الخطوات الأولى للوصول لحلول واقعية، بل أصبح عاملا سلبيا ساهم في إعادة إنتاج الأزمة وبشكل جديد وأعمق في مراحل أعقبت اتفاق الصخيرات.

وهنا تجب الإشارة إلى أن الحروب في ليبيا أفرزت وحددت هوية الأطراف المتصارعة - فجر ليبيا ، الكرامة - ومن تحالف معهم وهي خطوة جيدة في رحلة البحث عن حلول حقيقية وواقعية فتحديد القوى المتصارعة يمكن من خلالها معرفة الأسباب وكيفية معالجتها إلا أن تدخل عوامل أخرى (المنافسة الإقليمية في الملف الليبي) انعكس سلبا على الأزمة كون أطرافها لا تحمل رؤية موحدة للحلول في ليبيا، بل ما زاد الأمر سوءا هو أن كل طرف إقليمي له رؤية وأهداف تنطلق من دوافع أمنه القومي لعبت فيها الجغرافيا السياسية دوراً كبيراً..

بمعنى أدق، أن كل طرف من أطراف النزاع يتكون من مجموعة تحالفات محلية ودول إقليمية تدعمه وهذه الدول داخل التحالف الواحد لديها رؤية تختلف مع باقي الدول المشاركة معها في نفس التحالف، وهذا التباين ألقى بظلاله على محاولات إيجاد حلول للازمة الليبية وبالتالي ومع مرور الوقت بدأت تكبر الفوهة بين المتصارعين وخلال فترات لا تتجاوز 5 سنوات كان للأمم المتحدة لليبيا 4 مبعوثين فشلوا في إيجاد صيغ توافقية حقيقية، وهو ما يشير بوضوح إلى عمق الأزمة.

والآن يتم تحديد مسار سياسي جديد يتطلع له معظم الليبيين بنظرة التفاؤل والأمل بعد إنهاك مس الجميع بمختلف مناطقهم واصطفافاتهم حتى تشاركوا وتوحدوا في الهم والألم المتمثل في التدهور المعيشي للمواطن من نقص السيولة وانقطاع الكهرباء وشح الوقود وغيرها من حقوق ينتظر من أي جسم سياسي وفق مخرجات جديدة أن يعمل على معالجتها. ولكن كل ذلك باختصار قد يقودنا للمربع الأول وهو مربع النخب والقادة .. ما مدى فاعليتهم ودروهم في تحديد مسار سياسي يُساهم في حلحلة الأزمات ويعبر الأزمة؟ هل هذه النخب والقادة استوعبوا المرحلة ووصلوا لقناعة أنهم يفترض أن يقدموا تنازلات حقيقية وواقعية من أجل إنجاح مشروع الوطن؟ فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما يخوض طرف سياسي مفاوضات ما يجب أن يكون المفاوض يفقه ما يعرف بـ "فن التفاوض" (أن تحقيق الأهداف قد لا يكون في جملة واحدة ووقت واحد!).

لذلك، ومن خلال متابعة سير جلسات الحوار بين أطراف النزاع في ليبيا، وجدنا أنها كانت تضع مجموعة من النقاط تحت مسمى ثوابت لا يمكن التنازل عنها، الأمر الذي يجعل المشهد يدور في حالة من التصلب والخشونة لا تنفع في أي عملية تفاوضية وكأنها تصر - النخب - على عدم إنجاح العمل السياسي!. بالرغم من أن هناك تحسنا بات ملحوظا في جلسات الحوار مؤخرا خاصة ما حدث من تفاهمات في "بوزنيقه " المغربية، ولكنها تفاهمات جاءت نتيجة ضغوط من دول "كبرى!" أعلنت أن الأزمة الليبية قد حان وقت انتهائها وبالتالي استوعبت بعض الدول الإقليمية مضمون تلك الرسالة وبدأت تمارس ضغوطها على الأطراف المحلية.

باختصار، هنا لا أتحامل بل هو تحليل وسرد بسيط حول رؤيتي لهؤلاء القادة الذين تصدروا المشهد. لذلك لن يكون هناك حل حقيقي في ليبيا ما لم تعمل الدول الكبرى على تهيئة المناخ والأجواء وممارسة الضغوط المباشرة وغير المباشرة، أي ما يعرف في علم السياسية بـ "العصا والجزرة " وتقديم ضمانات واقعية. وهذا ما يبدو أنه يحدث الآن وأرجوا أن يستمر حتى نصل لحل.