Atwasat

عين الآخر

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 04 أكتوبر 2020, 01:33 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

يؤثر الآخر في جوانب حياتنا ويوجهها، أكثر مما نتصور. ولا نتحدث هنا بخصوص المجال الفردي، وإنما نعني المجال الجماعي في ما بين الشعوب والثقافات. فالآخر ينبهنا إلى بعض جوانب القوة، من وجهة نظره طبعا، في ثقافتنا، وإلى بعض جوانب الضعف، ودائما من وجهة نظره. فنفرح، غالبا، بالجوانب الأولى ونعيرها انتباها أكبر ونحاول دفعها إلى الصدارة. إنه يجعلنا نكتشف أهميتها. ونستاء من مجرد إشارته إلى الجوانب الثانية ونحاول الدفاع عن سلامتها وجدارتها، ونرميه بعدم الفهم، وحتى بسوء نية متعمد.

وعندما نقول، في هذا السياق، نحن والآخر، لا نعني وجود طرف فاعل (= مؤثر) دائما، وطرف منفعل (= متأثر) دوما. فكل طرف هو "أنا" لنفسه و "آخر" لـ "أنا" آخر. وبالتالي يوجد دوما، وعلى نحو ما ودرجة ما، تفاعل (= تآثر) متبادل، سواء كان متوازنا أو غير متوازن.

في مجال علاقتنا (= الشرق العربي والإسلامي) بالغرب (= أوروبا، ثم أمريكا) نبهنا المستشرقون الغربيون، على الأقل منذ القرن التاسع عشر، إلى جوانب في تراثنا الفكري والعلمي كانت مطمورة ومجهولة لدينا.

فهم الذين كشفوا لنا، مثلا، عن كتابات ابن رشد وابن خلدون*.

كما أن عملا مثل عمل "ألف ليلة وليلة" ظل مهملا في ثقافتنا باعتباره مجرد كتاب تسلية وتسليس وقت، إلى أن اكتشفنا اهتمام الغرب به وتأثيره العميق والمتسع في الآداب العالمية، إذ أصبح يترجم إلى لغات الغرب منذ بداية القرن الثامن عشر.

ويشير** عبد الفتاح كيليطو في هذا السياق إلى عمل آخر لم ينتبه إليه المثقفون العرب ويصبح محل عناية وتدبر إلا من خلال تأثير الآخر. ألا وهو "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري. فيشير كيليطو إلى أن "رسالة الغفران" ظلت إلى بدايات القرن العشرين مهملة ولا تذكر إلا بصفة عابرة ولم يحكموا عليها لا إيجابا ولا سلبا. "وحده الذهبي قال إنها ‘احتوت على مزدكة واستخفاف، وفيها أدب كثير‘". لكن من أخرج "رسالة الغفران" من تحت رماد التغاضي والإهمال، بداية القرن العشرين، هو دانتي!. "لولا دانتي ما اهتم أحد بـ ‘رسالة الغفران‘. لقد صارت محط عناية ورعاية منذ أن نظر إليها كرافد من الروافد التي غذت ‘الكوميديا الإلهية‘".

وحسب كيليطو، فإن هذه المقارنة، لدى غالبية الباحثين، غير ذات جدوى "لأن دانتي لم يكن بوسعه الاطلاع على ‘رسالة الغفران‘ التي لم تترجم [زمن دانتي] إلى أية لغة، بل لم تحدث حتى في الأوساط الأدبية العربية نقاشا من شأنه إثارة فضول الإيطاليين أو غيرهم من الأوربيين". لكن هذه المقارنة "كان لها مفعول سحري مباشر، إذ أخرجت "[رسالة] الغفران" من عزلتها الطويلة ورفعت من ثمنها لدى فئة واسعة من المتأدبين العرب وغير العرب، إلى حد أنه يمكن القول بدون مبالغة إن دانتي أثر في المعري" الذي سبقه بثلاثة قرون.

* انظر: عمر أبو القاسم الككلي، فضل المستشرقين على التراث الإسلامي والعربي. http://alwasat.ly/news/opinions/236172?author=1** عبد الفتاح كيليطو، أبو العلاء المعري أو متاهات القول ط1، دار توبقال، الدار البيضاء- المغرب، 2000. الصفحتان 19-20