Atwasat

العلاقات الإثيوبية - المصرية والصراع على مياه النيل (7) الموقف الروسي

محمود محمد خلف الإثنين 10 أغسطس 2020, 01:36 مساء
محمود محمد خلف

موقف روسيا

تحاول روسيا بزعامة الرئيس بوتين أن تُحيي الدور التاريخي للاتحاد السوفياتي السابق في منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل، وهي الفترة التى نشطت فيها الدبلوماسية السوفياتية في مواجهة التحدي الأميركي هناك.
وإحياءً لهذا الدور التاريخي، تسعى روسيا اليوم إلى بذل أقصى جهودها لإيجاد حل للصراع الإثيوبي - المصري حتى لا يتطور إلى حرب إقليمية.

ففي أكتوبر 2019، انعقدت في سوشي بروسيا قمة أفريقية برعاية الرئيس بوتين من أجل حل النزاع الإثيوبي - المصري على مياه النيل.

وعلينا أن نلاحظ هنا أن الرئيس بوتين، مثل ترامب، يهدف من وراء هذه المبادرة الروسية إلى تحقيق امتياز شخصي؛ حيث إنه يسعي داخلياً إلى تمديد فترة رئاسته إلى 2025 أو بعدها.

وخلال اجتماع الرئيس بوتين بالرئيس المصري ورئيس الوزراء الإثيوبي أوضح أن روسيا تأمل أن ينتهز الطرفان، وكذلك السودان، فرصة هذا المؤتمر لطرح ومناقشة ما يدور في خلدهم من قلاقل، وأبدى السيد بوتين استعداده الشخصي لتقديم المساعدة لنجاح هذه المباحثات وصولاً إلى حل يرضي جميع الأطراف ويحقق الرخاء والازدهار في المنطقة.

وفي يونيو 2020 بذل السفير الروسي لدى أديس أبابا، يوجين تريخين، جهوداً مشابهةً لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث، وأعاد تأكيد استعداد روسيا لدعم الجهود في هذا الاتجاه. ولكن جهود الوساطة الروسية تعثرت بسبب لجوء السودان بشكوى إلى مجلس الأمن ضد إثيوبيا، وكذلك الشكوى التى تقدمت بها مصر.

كما ساهم عامل آخر في انهيار الجهود الروسية، وهو التهديد الذي أصدره الجنرال بيرهانو جورا، القائد العام بالنيابة للقوات الإثيوبية، الذي حذر فيه مصر من مغبة تحدي جهود إثيوبيا في بناء السد واستغلاله.
ومن التطور المهم في موقف روسيا من هذا النزاع ما تمخضت عنه المشاورات بين أعضاء مجلس الأمن دائمي العضوية. فقد أبلغت روسيا والصين الحكومة المصرية رسمياً عدم موافقتهما على قرار أممي ملزم لإثيوبيا بالتزامات محددة بهذا الشأن.

وهكذا يتضح ما ذهبنا إليه منذ البداية من أن الطريق المصري إلى مجلس الأمن هو طريق مسدود، وتبين الآن أن السبب ليس مجرد الخلافات بين دول المجلس، بل ولنجاح الدبلوماسية الإثيوبية في إبراز الإشكاليات التقنية والفنية والعوائق الطبيعية والجغرافية الخاصة بتنظيم وتشغيل واستغلال سد النهضة، وذلك خلال الاستماع لمندوب إثيوبيا.

وهذه التطورات المهمة تستدعي أن تكون الدبلوماسية المصرية الآن مقتنعة بأن حل النزاع لن يكون ممكناً إلا بوساطة يكون الهدف منها ليس فرض صفقة (كما كان الأمر مع بوتين وترامب)، ولا بقرار أممي من المنظمة الدولية (كما كان الأمر في مجلس الأمن)، ولكن وساطة يكون الهدف منها تهيئة الظروف النفسية لمفاوضات ثنائية، تكون المرحلة الأولى استعادة الثقة بين الطرفين، ومنح إثيوبيا فرصة للاستمرار في تشغيل واستغلال المرحلة الأولى مع تفهم إثيوبيا لآثار هذا التشغيل على حركة مياه النيل، والتعاون المشترك للتخفيف من هذه الآثار على مصر.

موقف السودان
يتحكم موقع السودان الجغرافي في موقفه السياسي المتناقض والمتذبذب، ثم المستقر في المرحلة الحالية بشأن قضية سد النهضة. وهذا ما سأوضحه حالاً.

فالسودان يتوسط بين إثيوبيا ومصر، والنيل ليس بيده بالطبع، وسد النهضة لا يبعد عن حدودها الجنوبية الشرقية إلا 22 كيلو متراً. إن الموقع القريب للسد من ناحية يمكن أن يشكل ميزة اقتصادية للسودان، حيث إن الاستفادة ونقل الخدمات الكهربائية والمائية سهلة وغير مكلفة مقارنة بتلك التي قد ترسل مستقبلاً إلى مدن الدلتا في مصر على الوجه الافتراضي. ولهذا ظهرت أمامنا معلومات في العام 2012 أن الحكومة السودانية لم تعترض على إقامة سد النهضة الإثيوبي، بل الأكثر من ذلك أنها ساهمت مالياً استثماراً في هذا المشروع العملاق.

ومن ناحية أخرى، يشكل وجود هذا السد الضخم بالقرب منها تهديداً أمنياً لاحتمالات فيضانات كارثية إذا حصلت حوادث مفجعة في المشروع أو نحوها، مع العلم بأن المناطق السودانية المحيطة تعاني حالياً مآسي انهيار سد بوط الصغير، الذي هدمت مياهه قرابة 500 منزل وهجرت مئات العائلات.

وكان الأمل في تصور العقل السوداني والدبلوماسية السودانية أن يكون للسودان رأي في مراحل بناء وتشغيل وإدارة مشروع سد النهضة، وأن المنافع أو العوائد ستكون جمة.

وفي تقديري، أن مجرى تطور الأزمة الإثيوبية - السودانية وصمت السودان عن مجاراة إثيوبيا في مراحل بناء السد، لا يمكن فهمه إلا بفرضية واحدة، وهي أن وزارة الخارجية السودانية كانت تتلقى مراسلات تطمين ووعود من إثيوبيا بأن إثيوبيا ملتزمة بمبادئ الإعلان المشترك في 2015. وأن إثيوبيا ستكون حريصة «على احترام مطالب جارتها السودان» وانها لن تتفرد بأي إجراء إلا من خلال التشاور المشترك مع «إخوتنا السودانيين».

ومن المهم أن نشير هنا إلى أن التفكير الدبلوماسي السوداني وقع في خطأ استراتيجي في تقييم حجم مخاطر سد النهضة على السودان، حيث إنهم اعتقدوا أن الأضرار الناجمة لن تكون محدقة كتلك المخاطر التى سوف تتعرض لها مصر. وهذا سبب آخر ساعد على تباطؤ رد الفعل السوداني في التعامل مع المسألة برمتها.

بل الأكثر، أنه في العام 2017 مثلاً، قال وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور إن سد النهضة الإثيوبي من شأنه إعادة حصة السودان من المياه إليه، التي كانت مصر تحصل عليها من قبيل «السلفة»، وهذا ما يفسر موقف السودان الداعم لإثيوبيا لبناء هذا السد.

وفي 2020، تغير موقف السودان نسبياً مع تقديمه خطاباً إلى مجلس الأمن. فقدأرسل السودان خطاباً رسمياً، في 26 يونيو، بشأن موقفه من آخر تطورات قضية سد النهضة، مشدداً على «ضرورة إثناء جميع الأطراف عن اتخاذ أي إجراءات أحادية، بما في ذلك البدء في ملء خزان سد النهضة قبل التوصل إلى اتفاق».

وأكد السودان أن الزمن المتوفر للوصول لاتفاق بشأن السد، «ضيق وحرج»، لافتاً إلى أنه يدعو للعمل بجد للوصول للحظة تاريخية في حوض النيل، وتحويل سد النهضة إلى محفز للتعاون بدلاً من أن يكون سبباً للصراع وعدم الاستقرار.

والحقيقة أن الموقف السوداني لا ينطبق تماماً حتى إلى هذه اللحظة مع الموقف المصري الذي يعتبر أكثر تشدداً. فالسودان لا يزال يتمسك بالمفاوضات ويرى أن الجوانب الإيجابية النفعية في سد النهضة أكبر من جوانبه السلبية، وأن السد يختزن مياهاً كانت تضيع هدراً على السودان ولا ينتفع منها. إنما نقطة الخلاف مع إثيوبيا أن السودان لا يشجع القرارات الأنانية الانفرادية الإثيوبية في إدارة وتشغيل السد.