Atwasat

فوضى الإدارة في ليبيا: الكهرباء نموذجاً

آمنة القلفاط الأحد 09 أغسطس 2020, 01:33 مساء
آمنة القلفاط

تواصلت مع أحد مسئولي إدارة الطاقات البديلة في بلادنا، في محاولة للسؤال عن بعض البيانات المتعلقة باستخدام طاقة الرياح، فقد وصلني أن مدينة الخمس الليبية بها مشروع لتوليد طاقة الريح. الحقيقة أن الرد كان صادماً ومخيباً للآمال، فتوربينات توليد الطاقة لا تزال مند أكثر من عقد من الزمن تغط في نوم عميق وقد توقف عليها الزمان والمكان والأيدي النشيطة والعقل المدبر، وتناوبت عليها عوامل التعرية ومسببات التلف. المشكلة، كما عبر عنها المسئول، تتعلق ببيروقراطية الإدارة في ليبيا، فلازالت آلية استصدار القوانين الفاعلة معطلة، ولازالت يد الدولة تسيطر على مفاصل الإدارات بشكل هرمي مكبل ومعرقل لكل اجتهاد يصب في خدمة الصالح العام. ولازالت المشاريع المتعاقد عليها مع عديد الدول متوقفة منذ ما يقارب العشر سنوات لغياب الأمن وانعدام الاستقرار. فيما يبدو أن هناك دولة عميقة غير مرئية معرقلة وفساد مستشرٍ ومواطن يعاني ولا يجد سبيلا للإصلاح.

في مقارنة بين بلادنا والجارة دولة تونس من حيث السكان والمساحة وإمكانيات الطاقة المتاحة. الدولتان اللتان تتداخلان في علاقات تعاون وصداقات متعددة ومستمرة دائمة، نجد أن عدد السكان في تونس يتجاوز عدد سكان ليبيا بما يقارب الضعف، بينما تزيد مساحة ليبيا بحوالي إحدى عشرة مرة عن مساحة تونس، في تونس تبلغ الكثافة السكانية 70.69 شخص لكل كيلومتر مربع، في المقابل تبلغ الكثافة السكانية في ليبيا 3.79 شخص لكل كيلومتر مربع. تحتل ليبيا المرتبة 64 على مستوى دول العالم في إنتاج الكهرباء، بينما تحتل دولة تونس رقم 84 في نفس القائمة وفق دراسة الإحصائية الدولية لإنتاج الكهرباء. يتجاوز إنتاج ليبيا من الكهرباء إنتاج تونس. ولكن الكهرباء في تونس تلبي حاجة المواطن، رغم الفارق في تعداد السكان، والمواطن الليبي يعاني الأمرين من فقدان الكهرباء.

تعتبر تكلفة إنتاج الطاقة في الدول المعتمدة على مصادرها من الوقود، أقل نسبياً، وليبيا واحدة من هذه الدول. كما أن مشاريع ربط شبكات الكهرباء والتبادل الاقتصادي للطاقة والممولة من صندوق النقد العربي، التي شاركت فيها ليبيا أوائل الثمانينات مع الدول المجاورة لها بطريقة مباشرة ودول المغرب العربي وأوروبا بطرق غير مباشرة، كان من المفترض أن يساهم في زيادة وفر الطاقة في محطات التوليد البخارية والغازية في الدول المشاركة في هذه المشاريع. وقد تم فعلا تشغيل الربط الكهربائي بين مصر وليبيا في سنة 1998 بطول شبكات يقدر بحوالي 600 كم وتشير الدراسات إلى توفير ما قيمته 240 ميغاوات سنويا في قدرة محطات التوليد ووفر في التكاليف الاستثمارية يقدر 125 مليون دولار. كما اكتمل مشروع الربط الليبي التونسي عام 2004. كما تعمل اللجنة المغاربية للكهرباء التي تأسست سنة 1974 على تطوير مشاريع الطاقة الكهربائية ومن بينها ربط الشبكات بين ليبيا وباقي الدول المغاربية.

تعاني ليبيا من شح الكهرباء لسنوات عديدة، ولا يبدو أن هناك حلا قريبا لهذه المشكلة التي تتعقد مع الزيادة العشوائية في المباني والحاجة المستمرة والمتزايدة للكهرباء كسلعة حيوية هامة. فما أسباب هذه المشكلة، وهل ثمة حلول تساعد في الحد منها؟

تتميز الطاقة الكهربائية بأن خصائصها واحدة في جميع دول العالم، وأن استهلاك الطاقة المولدة يتم حال توليدها، وعلى هذا الأساس أنشئت سوق عالمية للطاقة تقوم على ربط شبكات الكهرباء للتجارة وتبادل هذه السلعة الحيوية. آلاف الكيلومترات من شبكات نقل الكهرباء تمر عبر الصحراء الليبية وتمر عبر مساحات شاسعة خالية من السكان. 300 كيلومتر كمثال من الشويرف إلى وادي الشاطئ تمتد خلالها الأعمدة الكهربائية المدمرة والأسلاك النحاسية المنهوبة من قبل عصابات مختلفة من جنسيات مختلفة وقد تم العبث بها لوجودها في أراضٍ خلاء دون مراقبة وحراسة، وهو أمر يتعذر، إن لم يكن من المستحيل، القيام به. مشاريع ضخمة كان من المؤمل لها أن ترتبط بالشبكات المحلية والدولية، ولكنها أهملت دراسة الجدوى المحلية من إقامتها مع اتساع الأراضي وندرة السكان.

توجد في الجنوب الليبي بين غات وأوباري، وهي مسافة تقدر 370 كيلومترا، تتخللها بلدية واحدة هي العوينات، خطوط للشبكة الكهربائية تمتد مئات الكيلومترات، كلفت الدولة مبالغ باهظة وكان بالإمكان اختصار تكاليفها في وحدات توليد صغيرة خاصة للمدن والبلدات المختلفة ويمكن تطبيقها في مختلف المناطق الليبية.

من أهم الحلول الممكنة تفعيل الحكم المحلي بحيث تساهم السلطات المحلية في إدارة شئونها بصناعة القرارات التي تخص نطاق البلدية، وإنشاء منظومة للدفع المسبق للكهرباء مرتبطة بالحسابات المصرفية بما يضمن مشاركة المواطن في تقنين الاستهلاك. ومن الأمور المساعدة لتفعيل هذه السوق وتشجيعها في بلادنا هو تحرير سعر تكلفة الكهرباء وفتح مجال الاستثمار فيها وتشجيع القطاع الخاص في إنشاء محطات الكهرباء بما فيها تشجيع استخدام الطاقات البديلة النظيفة، مع فصل قطاع النقل عن قطاع التوليد. إن كامل إنتاج المحطات الكهربائية والإشراف على الصيانة ونقل الكهرباء يقع تحت إشراف واحتكار الشركة العامة للكهرباء التي تعجز عن الإشراف عليها من كافة نواحي التشغيل والصيانة والتطوير. صانعو القرار في الشركة العامة للكهرباء والحكومة عليهم تغيير أساليبهم في حل المشكلة سواء تشريعيا أو تنفيذيا. لا بد لنا من التفكير خارج الصندوق لحل إشكالية الكهرباء، أما الاستمرار في تقديم نفس المقترحات لمدة تسع سنوات حتى الآن والحبل على الجرار فلن يفضي إلا لمزيد من الإرباك وتدهور مستوى المعيشة. المثل ينطبق على كثير من أوجه الحياة الأخرى في ليبيا التي تعاني من ضعف الإدارة بما يسرع من وصولنا لمستنقع الدولة الفاشلة وما يتبعه من الحاجة للغير للتدخل وصياغة واستثمار مصادر ليبيا الطبيعية الهائلة.