Atwasat

الحلم الليبي (1-2)

محمد عبدالرحمن بالروين الأحد 26 يوليو 2020, 12:55 صباحا
محمد عبدالرحمن بالروين

لو أوقفت أي مواطن ليبي، في الشارع هذه الأيام، وسألته عن معني «الحلم الليبي» فعلى الأرجح أنه يستغرب هذا السؤال! وربما يستخف من عقلية السائل! ولكن في نفس الوقت ستجد لديه تعريفا واضحا لما يتمني أن يكون مستقبله ومستقبل أطفاله. فما هو المقصود بهذا المصطلح؟ ولماذا يجب اعتباره مهماً؟ وما هي الخلاصة من ذلك؟

معني الحلم يمكن تعريف الحلم على أنه الاعتقاد بأن كل شخص في الوطن - بغض النظر عن مكان ولادته، أو لونه، أو عرقه، أو معتقداته، أو طبقته الاجتماعية - يمكن أن يحقق أهدافه الخاصة، من خلال التضحية، والمجازفة، والإصرار، والعمل الشاق، وبذلك يعيش حياة أفضل لنفسه ولأطفاله. وأن الوطن هو أرض الفرص المتاحة، والذي تكون الحياة فيه أفضل، وأكثر ثراء وشمولا لكل مواطن حسب قدراته وإنجازاته. بمعني أن الحلم هو شعور الجميع بأنهم خلقوا سواسية، وأن الله عز وجل خالقهم ووهب لهم حقوقا معينة غير قابلة للاستلاب أو النقصان، لعل من أهمها الحياة الكريمة، والاستقرار، والاختيار، والعمل، والسعي وراء تحقيق السعادة والأمن والأمان. والحلم هو نوع من القيم والمعتقدات التي يسعي المواطنون لتحقيقها، ويعملون جادين من أجل خلق حياة آمنة وسعيدة لأنفسهم ومستقبل أطفالهم.

بمعني آخر: يدور مفهوم الحلم حول احتمالات وفرص النجاح. وهو لا يقتصر على تحقيق الثروة الفردية - كما يعتقد البعض - بل يشمل تحقيق العدالة، وحرية الاختيار، وتحقيق البيئة المناسبة للسعي وراء السعادة والرفاه. والتأكيد على أن هده الحقوق هي هبة لكل إنسان من عند الله عز وجل، وليست منة من أي مخلوق آخر، وما على السلطات في الدولة، إلا دعم وحماية هذه الحقوق والعمل على إتاحة الفرص لكل شخص لمتابعة أحلامه، وأن تسن القوانين المناسبة لحماية كل مواطن وحقه في تحقيق حياته الكريمة.

لماذا الحلم؟ في اعتقادي المتواضع، لا بديل للمرء عن الحلم، لكي يعيش حياة صحية وسعيدة ومزدهرة، والذي لا يحلم هو في الحقيقة ميت. والحلم يثير في الإنسان دوافع إنسانية عديدة منها:
أولا: التفاؤل لعل من أهم الدوافع الإنسانية - التي تُجسد مفهوم الحلم - هو دافع التفاؤل المرتبط بالمستقبل، والشعور بالأمان في الحياة والعمل على حصول أطفالنا على حياة أفضل منا. بمعني أن التفاؤل هو رسالة الأمل التي تساعدنا على التخلص من الكوارث السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية التي تواجهنا. والتفاؤل هو أمل ديناميكي متجدد، للتقدم والنهوض والنمو رغم كل الأزمات والتحديات التي نجد أنفسنا عاجزين عن التعامل معها في بعض الأحيان. وبمعني هو ترقب أننا سنجد حلولا لمشاكلنا، وأن أطفالنا سيعيشون ذات يوم في دولة لن يتم الحكم عليهم فيها من خلال لون بشرتهم، ولا أعراقهم، ولا معتقداتهم، ولكن من خلال محتوى شخصياتهم، ومقدراتهم، وإمكانياتهم. وبمعني آخر: هو التطلع إلى أن يعيشوا في نظام اجتماعي يكون فيه كل رجل، وكل امرأة، قادرًا على الوصول إلى أقصى مكانة اجتماعية، ويتمتع بكل قدراته الفطرية، والاعتراف به من قبل الآخرين على حقيقته الطبيعية، وان يعيش في أي مكان يختاره، وتصبح إقامته هي العنوان - وباختصار شديد - التفاؤل هو الرغبة في حياة أفضل وأسعد، وهي تكمن في قلب الحلم.

ثانيا: التحفيز أما الدافع الإنساني الثاني فهو دافع التحفيز. بمعنى أن التحفيز يعمل على رفع آمال وتطلعات المواطنين، ويعطي لكل شخص في الدولة الطاقة للسعي وراء سعادته - ليس للانغماس في ذاته، وإنما كطموح عادل، ودافع إبداعي خلاق. وبمعني آخر إن الإيمان بالحلم يجعل الشخص مُتَحمسا، ويدفعه للإتقان وسرعة عمل ما يريد، وتقديم أفضل ما لديه في هذا الشأن. واعتبار الحلم محفزا يجعل المواطن يشعر أنه جزء لا يتجزأ من الجماعة التي هو منها، ويقتنع بأنه عضو مهم وفاعل في الوطن الذي يعيش فيه وينتمي اليه.

ثالثا: الجاذبية أما الدافع الإنساني الثالث - المتعلق بالحلم - فهو دافع الجاذبية. فالمتأمل في الدول الحديثة اليوم، يمكنه تقسيمها إلي – دول جاذبة أو دول طاردة. بمعني أن جميع الدول لديها أبواب ومنافذ – إما أن تكون مغلقة أو مفتوحة. فعندما تكون أبواب أحد الدول مفتوحة، يتسابق الجميع إلى الوصول إليها ومحاولة دخولها، والعكس صحيح. فكل مُتأمل هذه الأيام، يجد أن أغلب الناس يتسابقون ويركضون للذهاب للدول التي أبوابها ومنافذها مفتوحة – أي بها فرص كثيرة ومتنوعة للعمل والنمو والازدهار، وبذلك تصبح دولا جاذبة للجميع. وعليه فلابد أن يكون عنصر الجاذبية هو أحد ركائز «الحلم الليبي». بمعني آخر: يجب أن نعمل على أن تكون دولتنا الحديثة القادمة بإذن الله أرضا لحرية الاختيار، وأن تكون الفرص فيها متاحة لكل شخص يريد أن يعمل بجد واجتهاد من أجل حياة أفضل، وأن تتاح له إمكانية الوصول إلى مُبتغاه في أسرع الأوقات.

رابعا: التمكين أما الدافع الإنساني الرابع - المتعلق بالحلم - فهو دافع التمكين. بمعني لابد أن يعتقد كل مواطن في الدولة أن له حلما، وأن حلمه قابل للتحقيق، أي أنه ليس مجرد خيال نظري، بل يمكن أن يتحول إلى واقع عملي. بمعني أنه بإمكان كل مواطن أن يحول حلمه إلى حقيقة ملموسة في مستقبله القريب. وبمعني آخر يمكن النظر لهذا الحلم على أنه قوة ميكانيكية وتمكينية تسمح لكل مواطن بأن يصبح غنيا وناجحا، وسعيدا، إذا عمل وجد واجتهد وأخد بالأسباب المتاحة.

تحويل الأحلام الفردية إلى الحلم المشترك أو «الحلم الليبي»
علينا أيضا أن نعي أن الحلم - على المستوي الشخصي– قد يعني أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين، فليس بالضرورة، على سبيل المثال، أن يصبح المرء ثريًا، بل لابد أن يكون حرا أولا، وما على الجميع إلا السعي الجاد لأن تصبح هذه الأحلام الفردية «حلما مشتركا» يوما ما، وتتحول هذه الأحلام المشتركة إلى ميثاق مجتمعي يمكن أن نطلق عليه «الحلم الليبي». وبهذا الحلم المشترك تتحقق الحياة الأفضل والأغنى والأكثر اكتمالا لكل من يريد أن يعمل ويجتهد من أبناء الوطن.

وفي الجزء الثاني من هذا المقال، سوف أحاول تسليط بعض الضوء على الخلاصة من هذا الموضوع والتأكيد على مجموعة من القيم الضرورية لتحقيق «الحلم الليبي» المنشود.