Atwasat

العلاقات الإثيوبية - المصرية والصراع على مياه النيل «2»

محمود محمد خلف الجمعة 10 يوليو 2020, 11:03 مساء
محمود محمد خلف

نلاحظ منذ البداية استمرار الصلف الإثيوبي رغم القبول بالتفاوض مع الدول المطلة على النيل. التصريحات الإثيوبية مثل التى أطلقها وزير الريّ ما زالت تندرج في إطار المراوغة والمداهنة الدبلوماسية التي تعلمها الساسة الإثيوبيون من احتكاكهم التقليدي الطويل بالعمل الدبلوماسي بمقر منظمة الوحدة الأفريقية بأديس أبابا منذ ستينات القرن الماضي.

كما تندرج هذه التصريحات كواحدة من ردود الفعل الإثيوبي الشاذ تجاه السياسة المصرية الناعمة في التعامل مع مسألة سدّ النهضة، حيث لم تقم مصر باستخدام أي لغة قويّة توحي بأنها ستحمي حقوقها التاريخية الطبيعية في مياه النيل، حتى عندما تحدث سيادة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى مجموعة من القوات المسلحة الأسبوعين الماضيين، قال فقط إن على قوات الجيش أن تكون مستعدة عند الحاجة؛ ولم يصرح بأن الحاجة هنا هي الدفاع عن مياه النيل بكل ما لدى مصر من قوة ضد الصلف والتعنت الإثيوبيين، وهذا تفسيره الوحيد أن الاستراتيجية المصرية لم تتغير بعد.

إن الترحيب المصري بالإعلان الإثيوبي عن قبول الرجوع إلى طاولة المفاوضات في إطار أفريقي سوف ينصدم عندما يتأكد أن هناك خطة إثيوبية يمكن تحديدها في:
* القبول الشكلي المبدئي لمبدأ التفاوض وحضور الجلسات.
* المراوغة والتسويف والتلاعب وتضييع الوقت أثناء المفاوضات.
* العمل والتصريح بكل ما من شأنه تبرير انسحاب إثيوبيا من المفاوضات وبالتالي إفشال المفاوضات.
* وفي الوقت نفسه، سوف تستثمر القيادة الإثيوبية الوقت في التجهيز لملء خزان النهضة خلال شهري 7و8، حيث تقع الفرصة الكبرى لملئه في موسم الأمطار، وإلا فسوف تنتظر إثيوبيا عاما آخر لتحقيق هذا الهدف.
هذا التوقع مبني على استيعابنا للاستراتيجية الإثيوبية وفهمنا لمعطيات الواقع الدولي والإقليمي في مواجهة مسألة حسم مياه النيل وحصص مصر بالذات من المياه سنويا.

ماذا يحمل المستقبل القريب؟
منذ فشل المفاوضات الإثيوبية - المصرية بين وزيريْ الريّ في البلدين لم تتوقف إثيوبيا عن التصريحات التي تتلخص في:
* الرغبة في الهيمنة داخل مجموعة اللجنة الأفريقية على التصرف في حصص دول النيل والحصول على نصيب الأسد.
* تجاهل المسار الدبلوماسي المصري الذي يحوم في مجرى السياسة الناعمة.
* السعي إلى التفرد بالقرار نيابة عن دول النيل في التحكم في المياه.

وهذا البيان الأخير من رئيس الوزراء بالبدء في ملء السدّ، مع ادعاء مناقض وهو قوله «عدم الإضرار بمصر»؛ مثلما يعتزم أحد طعنك بسكين دون أن ينزف جسدك بقطرة دم واحدة.

من الواضح أن إثيوبيا تأكد لديها ارتكان السياسة الخارجية المصرية على العمل الدبلوماسي، وهو كما يعلم الإثيوبيون أن هذه السياسة لن تقف حجر عثرة صوب عزم إثيوبيا ملء الخزان بكامله خلال هذين الشهرين 7و8 حيث موسم الأمطار الغزيرة، وأنها لن تنتظر موسم المطر سنة أخرى. كما تدرك إثيوبيا من هذه السياسة المصرية أنها لا تحمل أية تهديدات حقيقية لإثيوبيا وإلى السدّ بالذات؛ ولعل هذا تأكد لديهم من الإعلام المصري الذي يعيش في عالم مثالي منقطع تماما عن الواقع.

لقد أضحى الإثيوبيون الآن في موقع المحرك للأحداث بينما مصر تتحرك ببطء في دوائر دبلوماسية مغلقة المسار.

إن المستقبل القريب سيشهد تطورات حاسمة ليست في صالح مصر التي سوف تغدو تعاني الجفاف مع مطلع شهر أغسطس. ولن يجدي وقتها فعل أي شيء ما دامت هذه هي حقيقة السياسة الخارجية المصرية. والنتيجة الأسوأ التي ستظهر هي أن كثيرا من دول العالم سوف تستوعب ما جرى على أن مصر قد رضخت للأمر الواقع.