Atwasat

تريبونة الظل... ملعب البركة (1-2)

عبد السلام الزغيبي الإثنين 06 يوليو 2020, 10:17 صباحا
عبد السلام الزغيبي

يعد ملعب البركة، لاحقا 24 ديسمبر، من أقدم الملاعب في ليبيا، وأقيم على أرض معسكر (كامبو مانيلي)، وافتتح رسمياً يوم 25 مارس 1945 بمباراة جمعت بين منتخب بنغازي ومنتخب الجيش البريطاني وانتهت 
بالتعادل (2-2).

شهد ملعب البركة أزهى عصور الكرة الليبية، فعلى أرضه جرت أجمل وأقوى اللقاءات الرياضية، التي تميزت باللعب الجميل النظيف والتشجيع الراقي، تمتع بها جمهور الكرة في بنغازي، وخاصة في المباريات 
الدولية والودية، حيث كانت موسيقى الجيش والشرطة، تعزف الموسيقى العسكرية قبل انطلاق المبارايات. كما شهد ملعب 24 ديسمبر البركة، حدثا فنيا كبيرا يوم 19 مارس من عام 1969، إذ نصب مسرح في وسط 
الملعب لتشدو فيه سيدة الغناء العربي أم كلثوم، بأغنيتين وهما "أمل حياتي" ثم "بعيد عنك"، وقد تميز الحفل بحضور وفود أدباء المغرب العربي وقد فوجئت أم كلثوم بحضور الموسيقار محمد عبد الوهاب حفل 
بنغازي وزوجته، وقد صعدت السيدة نهلة القدسي إلى المسرح بعد وصلة أم كلثوم الأولى وظلت معها خلف الكواليس حتى نزلت قبل أن تنفرج الستارة لتشدو أم كلثوم.

في هذا الملعب شهدت الجماهير الرياضية ألمع نجوم الدوري الليبي، المكي واتعولة واقعيم، وبيوندو والشعاليه، والمصري، وبن صويد، وديمس والمحجوب، والأحول والبسكي، وغيرهم.. وكانت صيحات الجماهير 
تتعالى مع كل هجمة أو هدف، يحرزه فريقهم. وإلى ملعب 24 ديسمبر، كان يتوافد الجمهور الرياضي من المناطق المحيطة والمجاورة لمنطقة البركة مثل العيساوي والسبالة والكيش والسيلس وسيدي حسين 
والرويسات ورأس عبيدة.. وحتى البعيدة نسبيا عنها مثل الصابري، واللثامة.

عندما تصل إلى السيلس "مخزن الحبوب" وتقترب من قصر السوسي، ترى طابور من رواد ملعب الكورة، ينتظرون دورهم للدخول إلى الملعب في صفوف منظمة، بعد أن يقفوا أمام شباك التذاكر لحجز التذاكر. هناك يقف "سي حمد"، يستلم منك التذكرة يقطع نصفها ويترك لك النصف الباقي.

داخل وخارج الملعب كان هناك باعة متجولون يعرضون مستكة "علكة" السبع ومستكة النعناع وشكولاتة قرشين، والبشكوط والزريعة والكاكاوية، والمشروب.

نحن الصبيان، لم يكن يتوفر لنا المال لدفع ثمن التذكرة، ونعتمد على طيبة وسماحة "سي حمد"، من أجل السماح لنا بالدخول، وفي بعض الأحيان، يقوم جاري وبمثابة خويا الكبير "سي مصطفى بوجازية المعروف
باسم الدكتور" بمساعدتي على الدخول إلى الملعب. البعض الآخر من الصبيان، يعتمد اعتمادا كاملا على وسيلة "خششني يا سيدي، الله يرحم والديك" ويسمح الواقف على الباب "سي حمد أو بلال" بتمرير الصبيان 
مع أحد الداخلين.

كنا نحرص مثل أقراننا من المناطق الأخرى، على متابعة المباريات الرياضية، خاصة في فترة ملعب البركة، كان فيه اتوبيس ينطلق من أمام قهوة الشومالي عالكورنيش، ويمر من شارع الاستقلال حتى يصل محطة مقبرة سي داوود أمام الملعب، لكن نحن اعيال الشارع، ننطلق من ميدان الشجرة باتجاه البركة مشيا على الأقدام، ونصل إلى هناك قبل بدء المباراة بوقت طويل، ونظل ننتظر وصول اتوبيس النادي الذي كان يقوده محمد المغربي الشهير بـ (الري)، لنشاهد عن قرب نجوم الفريق الهلالي.

وحسب ما أخبرني الهلالي العريق "بوبكر بن شتوان" كان الدخول إلى تريبونة الظل ب 15 قرش والشمس الشعبيه ب 10 قروش، وكانت الحافلات تتجه من الطريق الضيق مكان المدينة الرياضه إلى البركه من 
السيلس بعد إغلاق الشارع أمام الملعب قبل المبارة بساعة.

كان مشجعو فريق النادي الأهلي قد اختاروا أن يجلسوا في تريبونة الشعبية أو تريبونة الشمس، كما كانت توصف، أما مشجعو فريق نادي الهلال أو "الهيلاهوب" كما كان يطلق عليهم، تعودوا أن يجلسوا في تريبونة
الظل، وهي إحدى مدرجات ملعب 24 ديسمبر وملعب البركة ( نادي النصر لاحقا).. وكان هناك مدرجات خاصة بمشجعي فرق النجمة والتحدي والنصر...

تقع تريبونة الظل وهي مقابلة تقريبا لتريبونة الشمس، عند دخولك من الباب الرئيسي للملعب الذي يقف أمامه (سي حمد.. قاطع التذاكر). ومن هناك يدلف مشجعو الهلال باتجاه مكانهم المعتاد على اليسار، حيث 
تقع التريبونة على مقربة من الباب الذي يدخل منه اللاعبون وطاقم التحكيم، يصعد الجميع ًإلى التريبونة (المدرج) وكانت المدرجات ذلك الوقت عبارة عن خرسانة مغطاة بالاسمنت ويجلس الجمهور جنباً إلى جنب، باستثناء مقاعد كبار الضيوف وطاقم الإذاعة وكان على مقربة من تريبونة الظل ومرتفعة قليلا عن بقية المدرجات.

كانت تريبونة الظل "جمهور الهلال وغيره"، تظللها الأشجار.. وتقع في منطقة الظل بغياب الشمس عنها في التوقيت الذي تجرى فيه المبارايات.. هي أقرب إلى التجمع العائلي أو الأسري، تجد هناك والدك وعمك 
وأباك وأخاك وابن شارعك.. ومنطقتك. وفي إحدى السنوات طلب جمهور الهلال من الفريق، أن يلتقط صورة وخلفه تريبونة الظل "الهلالية" لتكون ذكرى على مدى السنوات، وأتذكر أن هذه الصورة كانت معلقة في 
صالون بيتنا في شارع العقيب، حتى عام 2013، وهو تاريخ آخر زيارة لي إلى بنغازي.

كنا نحرص في كل مرة يلعب فيها فريقنا الهلال على الاقتراب من الحاجز الحديدي الذي يفصل بين آخر المدرجات والمكان الذي يستعد فيه اللاعبون (التسخين) قبل ولوج ساحة اللعب، وأتذكر أن كانت هناك حنفية "شيشمة" للشرب وغسل الوجه للاعبين بين الشوطين، وقد شهدت هذه الشيشمة حكاية طريفة بطلها الفهد الأسمر لاعب الهلال ديمس الصغير، ولاعب من فريق النهضة سبها (فزان)، وكان هذا اللاعب مكلفا من مدربه 
للحد من خطورة ديمس الصغير، ومتابعته داخل المستطيل الأخضر، حتى لا يسجل هدفا في مرمى الفريق الفزاني.. وقام اللاعب بمهتمه وكان طوال الشوط الأول يطارد ديمس الصغير أينما تحرك، وكان أن اتجه 
ديمس الصغير "بين الشوطين" ناحية مكان "الشيشمة" فتابعه لاعب النهضة سبها إلى هناك ولم يتركه، وسط ضحك وسخرية اللاعبين والجمهور الذي شاهد هذه الحادثة الطريفة.