Atwasat

ترامب: قاد بليس أميركا ماي (تويت) هوم

سالم العوكلي الثلاثاء 16 يونيو 2020, 02:48 مساء
سالم العوكلي

وصل ترامب إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، لأنه، بعنصريته المعلنة، عبر عن مكبوت أغلبية بيضاء في الولايات المتحدة، تلك الأغلبية التي تريده رئيسها ولكنها تخجل من إعلان ذلك ما أدى إلى فشل مؤسسات استطلاع الرأي لأول مرة حين رجحت فوز منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون بفارق كبير، ورغم ما أعلنه ترامب من عنصرية وازدراء بالشعوب الفقيرة، وانسحاب من اتفاقيات دولية تتعلق بالسلم العالمي وسباق التسلح، أو مكافحة الفقر، أو الخطر البيئي الذي يتهدد الكوكب كله، إلا أن شعبيته ازدادت في السنوات الأولى من حكمه، وتحت شعار (أمريكيا أولا) و بناء جدران عازلة حول الفردوس الأمريكي، أو طاعته العمياء لأيديولوجيا الإنجيليين المتشددة، كان يغفر له كل ذلك طالما ابتزازه للأمم الأخرى جلب المليارات إلى خزائن أمريكيا.

البعض يعلق على تسمية ما ينشره ترامب من أراء حادة أو مضللة أو عنصرية بالتغريدة، ويعتبرها زمجرة وحش برتقالي شاء القدر أن يكون في أعلى منصب في أقوى أمة على الأرض حتى الآن، غير أنه أدمن هذا التغريد لدرجة أنه حطم رقما قياسيا في عدد التغريدات بالنسبة للوقت ثم حطم رقمه نفسه، فقد سجل رقما قياسيا جديدا على تويتر، أثناء منتدى دافوس الأخير، حيث نشر أكثر من 140 تغريدة خلال 24 ساعة، وذلك مع بدء اليوم الثاني من محاكمته، متغلبا على رقمه القياسي الرئاسي السابق البالغ 123 تغريدة في يوم واحد. وحسب قسم "التأكد من الحقائق" للتحليل السياسي الوارد في صحيفة واشنطن بوست: قام ترامب بعد توليه الرئاسة بإطلاق تصريحات خاطئة ومنافية للحقائق بصورة متكررة خلال خطاباته. فقد قال ترامب على الأقل ادعاءً واحدا خاطئا أو مضللا يوميًا على مدة 91 يوما من أصل أول 99 يوما منذ توليه المنصب حسب ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز، ووصل عدد ادعاءاته الخاطئة أو المضللة إلى 1,318 بحلول اليوم 263 منذ توليه الرئاسة، ولم يشكل هذا الإحصاء آلاف التغريدات التي نشرها فيما بعد والتي جعلت موقع تويتر يقترح إضافة علامة تحت المنشور تدعو رواد الموقع لمراجعة الحقائق التي تكشف أكاذيب ترامب (تشيك باك)، وهذا ما جعله أخيرا يخرج عن طوره، ويهدد، كأي حاكم في إقطاعية من العالم الثالث، بقفل المنصات الاجتماعية الذي آل في النهاية إلى قرار برفع الحصانة عنها، مبررا ذلك بأنه يدافع عن حرية التعبير.

ثمة أغنية قديمة ألفها وغناها الأمريكي جون هاورد العام 1823 لأوبرا كلاري، يعتبرها البعض النشيد الأمريكي الوطني الثاني، يقول مبتدأها (GOD BLESS AMERICA – MY
HOME SWEET HOME) وهي الأغنية التي جعلها الشاعر سعدي يوسف عنوانا لإحدى قصائده الرائعة التي كتبها بعد حرب الخليج الأولى أو حرب تحرير الكويت. هي أغنية الوجدان الأمريكي التي أرفقت بعشرات الأفلام السينمائية، بما فيها بعض الأفلام التي تناولت حرب فيتنام، وتغنى بها حتى المهاجرون الجدد لأن أمريكيا أصبحت (SWEET HOME) بالنسبة لهم، غير أنه مع مجيء ترامب بدأ عشاق هذه الأغنية يضيق عنهم هذا الوطن العذب الذي وضعه إبراهام لنكولن على بداية الطريق الإنسانية، ولعل المظاهرات الحالية التي خرجت عن السيطرة تدل على هذا المعنى خصوصا حين يكون شعارها (لا أستطيع التنفس) وهي آخر جملة قالها المواطن الأسمر جورج فلويد وعنقه تحت ركبة الشرطي الأبيض الذي يستمد عنصريته من تغريدات رئيسه العنصري، مدمن (التغريد) خارج السرب الذي استلهم هذه الأغنية الخالدة بعد تعديل بسيط لتصبح (MY HOME TWEET HOME) حيث أصبح تويتر هو وطن ترامب الأضيق من رغباته.

يقول الشاعر: سعدي يوسف، في قصيدته التي تستطعم مرارة السياسة الأمريكية، وما فعلته في العالم وفي العراق دون أن يضعها في سلة واحدة لأن كل هذا الرعب الذي تصدره أمريكيا والذي يصل ذروته مع ترامب مندمج مع نوع من الجمال يجعل منها حلما وكابوسا في الوقت نفسه.

أو بمعنى آخر هي مزيج من المرح والعنف، والأضواء والدم، أو ما يسميه تيري إيجلتون، في كتابه: الإرهاب المقدس. الإرهاب الديونيسوسي، نسبة إلى الإله ديونيسوس الذي يجسد كائنا نصفه إله ونصفه وحش ــ وكلاهما يعمل خارج القانون ــ الذي تقوده قوى لاوعي بقدر ما تزخر بالحيوية والجمال بقدر ما تفيض بالكراهية والعداونية: "يعتبر الإله ديونيسوس أحد أقدم القادة الإرهابيين. فهو إله الخمرة والأناشيد والنشوة والمسرح والخصب والإسراف والإلهام .. غير أنه بالمقابل رعب لا يحتمل، وللأسباب نفسها على الأغلب. وهو متوحش ومفترس ومعاد لما يخالفه بالتوازي مع صفاته المغوية. وإذا كان له سحر التلقائية، فهو يكشف أيضا عن وحشيته اللاعقلانية. لأن ما يحقق النعيم والملذات يغوي بالقتل. فأن تحل الأنا المنتشية في الطبيعة، كما يفعل ديونيسوس، يعني أن تسقط فريسة لعنف وحشي.".

يؤصل إيجلتون لفكرة الإرهاب عبر هذا المزيج الأسطوري الذي تكرر في كل الأديان، وربط النعيم بالموت أو البهجة بالانتحار هو ما يجعل النزوع إلى الإرهاب مبررا حتى دون أسباب وجيهة.
سعدي يوسف في قصيدته (America, America) يحاول أن يجري عملية فصل شعري لتوأم أمريكي ملتصق يتكون من الإله والوحش، وأن يُقطّر الجمال من هذا المركب الصعب:
"يا ربِّ ، احفَظْ أميركا.. موطني، موطني اللذيذ
أميركا! لنستبدلْ هداياكِ
خذي سجائركِ المهرّبة وأعطنا البطاطا.
خذي مسدس جيمس بوند الذهب وأعطنا كركرةَ مارلين مونرو.
خذي حقنة المخدِّر المرمية تحت شجرة وأعطنا زجاجةَ المصل.
خذي خرائطَ السجون النموذجية وأعطنا بيوتَ القرى.
خذي كتبَ مبشـِّـريكِ وأعطنا ورقاً للقصائد التي تهجوكِ.
خذي ما لا تملكين وأعطنا ما نملك.
خذي أشرطةَ البيرقِ وأعطنا النجوم.
خذي اللحية الأفغانية وأعطنا "لحيةَ والت ويتمان الملأى بالفراشات".
خذي صدّام حسين وأعطنا ابراهام لنكولن!
أو لا تعطنا أحداً.