Atwasat

تعاطف العقليتين

محمد عقيلة العمامي الإثنين 01 يونيو 2020, 01:27 مساء
محمد عقيلة العمامي

لم يخطر على بالي أبدأ أن يفهم مقالي السابق "تعاطف الجوارح" كموضوع رومانسي، ويُربط بحالة حب عذري أو غيره. كان بالنسبة لي موضوعا له علاقة مباشرة بما يحتاجه الإنسان الطبيعي من علاقات إنسانيه عميقة انتبهت أننا لا نوليها الاهتمام، الذي تستحقه، لقد اختتمته بأغنية فريق "الطيور النادرة" وخطر على بالي طيورنا الجارحة، التي لم يعد في قاموسها سوى الذبح والقتل والدم والتنكيل، فجعلت الطيور النادرة تغني للطيور الجارحة، فيما يعقب صديق قائلا: "خرّف يا شعيب!".

كتبت لي قارئة كريمة عن الخاص، تقول: "واضح أنك لا ترى أن أقوى شيء في العالم هو الحب!". وأنا لا أعرف كيف فهمت ما كتبت. لقد صدمني رأيها، ورأيت أن أتناساه، غير أن صوتا بداخلي أصر على أن أجعل منه موضوعا،على الأقل طلبا للتسلية، والخروج من دائرة القصف والسحق والمحق، والانفجارات.

وسألتها أن تُعّرف لي الحب؟ أن توضح لي ماذا يعني لها؟ وقبل أن أنتظر إجابتها رأيت أن أستعرض معكم دراسة طريفة على كيفية تفكير الإنسان:
هناك دراسة تقول أننا، جميعا -ذكورا وإناثا- نعيش بتفكيرين، سواء أكانا ذكريين أو أو أنثويين! ليس بالضرورة أن يرتبط هذا التفكير بجنس الفرد. إنه عقل يفكر باي من الحالتين، وليس مقيدا بالتكوين الجسدي.

كانت للدكتورة "كاترين كوكس ميلز Catharine Morris Cox Miles "أستاذ علم النفس في جامعة ستانفورد" أبحاث لقياس الحالة العقلية للأنوثة والذكورة، في الجنس البشري ذكرا كان أم أنثى؟ لقد وظفت أسئلة، غير مباشرة وجهتها لعدد كبير من الجنسين غايتها تبيين الآراء، والانفعالات، ونواحي الاهتمام، وأسباب الكره وعوامل الاستجابة، والانطوائية.

ومن بين سبل القياس لمعرفة تفكير العقلية، استخدمت كلمات فقط، إذ يُسأل المستهدف عما تعني كلمة محددة، وعليه أن يجيب بكلمة لها علاقة بالكلمة موضوع السؤال، ومن الإجابة يتمكن الباحث من تحديد نوع التفكير. لقد أسست نظريتها أن كلمة الحديقة مثلا تُذكر الرجل بالخضرة والحشائش، بينما توحي للمرأة بالزهور، وكلمه "مسحوق" لا يمكن أن تذكر الرجل ببودرة المكياج، وكلمة العمل توحي للرجل بالمال، بينما توحى للمرأة بمظهرها!

وبينت الدراسة أن المهندسين، أكثر الرجال ذكورة، وبعدهم رجال الأعمال، المحامون، ورجال المصارف والشركات. أما الكتاب والفنانون وأغلب من يعمل في مجال الإبداع يفكرون بعقلية الإناث، وكذلك القساوسة ولعل ذلك بسبب تعاطفهم اليومي مع العلاقات الإنسانية، ولعل ذلك تأسس من فكرة الإنصات لاعتراف المذنبين.

ويظهر السلوك لدى الأطفال، فالصبي تنصب ألعابه على أعمال والده، أما الصبية فتقلد أمها وشقيقاتها، وإن قلدت الصبية أباها تنضج في الواقع بتفكير ذكوري، والطفل الذي يكثر توبيخ والده له، يلجأ إلى تقليد الصفات التي يحبها والده ويراها في أمه. والأيتام يميلون إلى الأنوثة.

ويشير أحد الأخصائيين إلى اختبار بقع الحبر، وهو الذي يتخلص فيما يراه المرء من أشكال جراء هذه البقع، ولعل الكثير منا بتأمله لأشكال يرى فيها صورا معينة سواء في زخارف الفرش مثلا، أو السيراميك الملون تفضي بالمرء إلى الطريقة التي يفكر بها، بل وبمقدوره أن يعرف كيف يفكر عقله الباطن بما يراه أشياء من هذه التكوينات.

غير أن رأيا أورده أحد البحاث يقول إنه كلما ارتفع مستوى الذكاء لدى المرأة كانت الأقرب إلى عقلية الذكور. غير أنني لا أتفق مع هذا الرأي، خصوصا وأن الباحث زاد تعصبه لجنسه عندما استطرد مبينا أن الذكاء لدى الرجال لا يرتبط بالضرورة مع الذكورة، ثم تناقض مع آرائه وقال إن الأبحاث تقرر أن "أصحاب العقول بين الرجال يفكرون بعقلية الأنثى".

وخلصت الدراسة إلى أنه لا علاقة بين موضوع التفكير هذا بأي نوع من الشذوذ، فالتفكير بأي من الحالتين أمر طبيعي، تماما مثلما يفكر كل منهما بحسب تكوينه، وخلصت إلى أن الكائن البشري متكامل التفكير هو الذي يفكر باتحاد التفكيرين.

لعلنا من بعد أن عرفنا مسألة التفكيرين هذه، نستطيع أن نتناول مسألة الحب، سواء أن أجابت قارئتنا الفاضلة على تساؤلنا أو لم تهتم به، وفي الأحوال كلها يتعين أن نجعل منه موضوعا منفصلا، وقد يعيننا كثيرا إن تناولناه بالعقليتين الأنثوية والذكورية.