Atwasat

الشماعة!!

صالح الحاراتي الأحد 24 مايو 2020, 05:24 مساء
صالح الحاراتي

من طبائع الأشياء أن هناك تباينا فى الإمكانيات والقدرات بين الدول، وذلك التباين هو الذي أوجد شعورا لدى المجتمعات الضعيفة بأن ما هى فيه من ضعف وتخلف إنما جاء بفعل "مؤامرة" من الأقوياء لأجل السيطرة على قرارهم واستغلال مواردهم الطبيعية ليستمر ضعفهم وهوانهم وتخلفهم.. دونما الاعتراف بأن هناك عواملَ أخرى ذاتية تحدد ضعف وقوة أي مجتمع.. ومن هنا كان إلقاء اللوم على الآخر وعدم تحمل المسؤولية، تلك هي الشماعة التي يتم اللجوء إليها لتبرير أوضاعنا البائسة.

لا مفر بداية من الإقرار بالقول "إن من يملك التقنية والإعلام والمال هو الذي يشكل الوعي العالمي ويوجه الأذهان للحقائق التي يريد".

وأظن أن السطور السابقة تمثل أحد معطيات وحقائق عالم اليوم الذي يلعب فيه الإعلام ووسائل الاتصال دورا كبيرا.

بداية، لا شك أن ذلك الشعور به شيء من الصواب. ولكن بنظرة موضوعية وواقعية، نجد أن حياتنا لا تدار كلها بالمؤامرة ولكن، أكاد أجزم في نفس الوقت أنها ليست خالية منها، المهم هنا هو ألا تكون المؤامرة هي العامل الوحيد الذي تغرق فيه عند تناول أحوالنا والبحث عن الخروج من مآزقنا، بل يجب التأكيد عند الحديث عن المؤامرة وجوب التوجه إلى ذكر الحقائق والدلائل والبراهين - إن أمكن- على هذه المؤامرة، بعيدا عن المبالغات، حتى يكون الكلام مقبولا ومنهجيا وداخلا في إطار العلم، وليس ضمن منهجية التنجيم وقراءة الكف وتجيبش المشاعر العدائية وشيطنة الآخر!

إن الابتعاد عن الاستغراق والانهماك في التفسير المؤامراتي للأحداث في غاية الأهمية، لأنه يفتح الباب أمام عقولنا للبحث عن العوامل الذاتية المعطلة، والانغماس فى التفسير المؤامراتي قد يكون كارثيا إذا لم تتخلل ذلك الانهماكَ لحظاتُ تأمل، لنرى ما يدور حولنا ونحاول التعرف على الاحتمالات غير المرغوب فيها ولكي لا ننسى المتغيرات المفاجئة وكيفية التعامل معها، ولكي ننتبه إلى عيوبنا ومحاولة إصلاحها بدل تعليق فشلنا على (شماعة المؤامرة).

ويجب أن نتفهم أنه من طبيعة الأشياء أن الآخر القوي يريد الحفاظ على قوته وتميزه، ولذا يبذل كل ما يراه يحقق له ذلك، ولا شك بأنه يعطي لحركته وفعله عنوانا يمثل الخير والنقاء وفي إطار من القيم الإنسانية المحمودة.. ولعلنا هنا نحناج، لنستوعب حركة التاريخ، لمقاربة تاريخية. لنتذكر أن أجدادنا أيضا مارسوا يوما ما فعل "الغزو" وأسموه "فتوحات" من أجل خير الإنسانية!! وبالمقاربة المتجردة من العواطف نرى اليوم القوة المهيمنة على العالم تتصرف بما يخدم مصالحها وترى أن من حقها نشر قيمها تحت عناوين براقة مثل معاداة الأنظمة الشمولية ودعم حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب.. إلخ.

ولكي نفهم مصطلح المؤامرة لغويا نذهب إلى قواميس اللغة لنجد أن (المُؤامَرة اسم والجمع مؤامرات والفعل آمر وهي "َمكيدة" للقيام بعملٍ معادٍ إزاء حكم أو بلد أو شخص، وهو ما يدبِّر خفيةً مع التصميم على تنفيذه)..

ولا أظن ذلك خافٍ على أحد ، وبهذا المعنى يفسر الكثير منا الأحداث الت يتجري على هذا النحو؛ ولكن هناك رأي يذهب إليه آخرون يقول أنه يجب التفريق بين ما نفهمه ونسميه مؤامرة وبين أمر آخر يسمونه.. "توافق أو تقاطع المصالح"، حيث يكون الفعل المراد القيام به "ذاتي المنشأ ويعبر عن مصلحة ذاتية داخلية" ولكن ترافقت تلك المصلحة الذاتية مع مصالح خارجية وتم استثمار تلك المصلحة المشتركة بين طرفي الداخل والخارج ويتم التعاون على إنجازها من الطرفين، وهو أمر لا يتم في الخفاء ..والمثال الذي تجترحه الذاكرة هنا هو ما قاله بن لادن يوما ما عن توافق الهدف بإسقاط الحكم الشيوعى "الكافر" في أفغانستان مع رغبة الولايات المتحدة بإخراج الاتحاد السوفيتي حينها من أفغانستان، أي أن توافق مصالح قد وجد بين أمريكا والمقاتلين الأفغان مما ساهم في التعاون المشترك بينهما لأداء تلك المهمة. وعندما تم إنجاز تلك المسألة عاد كل طرف إلى خندقه.

في سياق التحليل المؤامراتي وكمثال عليه أيضا يردد البعض بأن داعش صناعة أمريكية ويتغافلون عن أن أدبيات داعش وخطابها لا يخرج عما تحتويه كتب التراث لدينا من فتاوى مؤسسة للعنف والإرهاب!!

نعم وبلا شك تستفيد القوى الكبرى من نشأة تلك الجماعة وتوظف أفعالها لخدمة مصالحها، ولكن المسألة في اعتقادي لا علاقة لها بخلق وصناعة ونشأة تلك الجماعة.. وربما نفس الأمر يسري كذلك على جماعة الأخوان الذين لقوا دعما من بريطانيا ساعة النشأة والتكوين.

وإن كان ولابد من استخدام مصطلح المؤامرة، ففي ظني أننا نتآمر على أنفسنا، حيث يمكن أن نقول إن أوضاعنا الداخلية من ضعف وتخلف هي التي تساهم فى حالة يمكن أن نسميها "القابلية للتآمر"!؟

إن دراسة الدلائل والقرائن والبراهين على دعوى وجود “مؤامرة” تحاك أو أن الأمر توافق وتقاطع مصالح، أمر جدير بالاهتمام والتفكر لأنه سيكون دافعاً إلى مزيد من الوعي والإثراء وفهم ما يجري حولنا دون تهويل أو تجاهل، حتى نحسن التعامل مع الأحداث التي نواجهها، بدل لجوء عشاق نظرية المؤامرة إلى تخوين من لا يؤمنون بها.. باعتبارهم خونة للوطن ومتآمرين، ويبقى الأمر المهم هو ألَّا يقودنا فهمنا وتصورنا إلى تبرير الأخطاء وإلصاقها بشماعة المؤامرة، وألَّا يقودنا فهمنا وتصورنا عن المؤامرة إلى حالة من البارانويا، والشك المرضي المفرط، والتهيؤات المبالغ بها فنجعل المؤامرة هي الشماعة التي نعلق عليها إخفاقاتنا وفشلنا في الخروج من دائرة التخلف، وألَّا يقودنا فهمنا وتصورنا عن المؤامرة إلى الاستسلام بأنَّنا كأفراد وشعوب لا حول لنا ولا قوة، ولا قدرة لنا على تغيير الواقع المحيط بنا.

إن التبرير الدائم لأي حدث تحت بند المؤامرة، ينأى بالذات عن دخول مجاهل المسؤولية. ويبتعد بنا عن الطريق القويم للخروج من أسر تلك المقولة الذي يتطلب جهدا كبيرا عبر مؤسسات الدولة (الغائبة). وجهدا ثقافيا من أهل العلم والمعرفة أفرادا وجماعات، للتأسيس لثقافة العمل والنقد الذاتي وتحمل المسؤولية.

* يحضرني قول الدكتور جلال أمين..

"المهووسون بنفي نظرية المؤامرة بالمطلق لا يقلّون سوءاً وخطراً عن المهووسين بجعلها دوماً مفسّر الأحداث".
ويبقى السؤال الجوهرى القائم …

ما هي مصالحنا ويا ترى ما هى مؤامرتنا؟.