Atwasat

ذاكرة مثقوبة وتذروها الرياح!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 05 مايو 2020, 11:00 صباحا
أحمد الفيتوري

• حكاية كل يوم:

عودي أخضر، لما نشرت في الصحافة، نشرت مقالات في قضايا صاخبة حينها، في السادسة عشر من العمر، لما كنت طالبا بالسنة الثانوية الأولى، نشرت بجريدة "الحقيقة"، عندما كتم أنفاسها "العقيد الديكتاتورمعمر القذافي"، عدو الصحافة والرأي الآخر. وفي مجلة "المرأة" كتبت تحت اسم مستعار، اسم امرأة ما كان سائدا حينها، وقد رد على مقالاتي الزميل "إدريس الطيب"، وفي ظنه أن الكاتب امرأة، وكتبت تحت أسماء مستعارة أخرى.

لكن ما كتبت تحت اسمى، مقالة لم أنسها في جريدة "الجهاد"، ما أنشأها ورئس تحريرها "الدكتور مهدى المطردي"، فيما كان المسئول الثاني الصحفي "عبد الفتاح المنصوري"، والمرحوم "المنصوري" دعمني منذ اللحظة الأولى، فأصبحنا صديقين، وقد جئته بالمقالة الأسيانة، ما فحواها غبنٌ، يقع على الطالب عند الامتحان، فتصحح إجاباته بطريقة خاطئة، فيرسب ويهدد مستقبله، وكنت الطالب، عنوان المقالة: سجل أنا طالب ورقم جلوسي 88، استعرته من قصيدة "الشاعر محمود درويش" الشهيرة عندها: سجل أنا عربي، ما أثار لغطا في مدرستي، مدرسة عمر المختار بحي الصابري ببنغازي، والوسط التعليمي، عندها الصحافة لم تلفظ أنفاسها بعد.

أخذت أتردد شبه يوميا، على مطبعة الجريدة الخاصة، "الأوفست" التي كانت أول طباعة ملونة في ليبيا، جلبها "الدكتور المطردي"، كانت المطبعة بحي "جاردن سيتي" مدينة الحدائق، وعادة أجيء رفقة مصحح، هو الصديق والجار "عبد الوهاب الشكري"، وعندئذ تعرفت على شيخ المراجعين والمصححين في الصحافة الليبية "الفلسطيني العجوز" كما يُدعى "قاسم حماد"، النبالة التي تمشي على رجلين، وبعدها صار لي صحبة من صحفيين عريقين، مثل: أحمد الرويعي، محمد على الحبوني، أنيس السنفاز، عبدالرازق بوخيط، عثمان زغبية، منصور صبرة، وفي ترددي ذاك، عملت في أقسام الصحافة، تحقيقات، تحرير أخبار، كتابة مقالة... وهلم جرا.

ثم عملت رسميا بجريدة الجهاد، التي بات رئيس تحريرها بعد تأميمها الأستاذ محمد على الشويهدي، منذ سنة 1974م وفي السنة التالية، وبقرار تعسفي من القذافي شخصيا، نقلت الجريدة في 24 ساعة إلى طرابلس. وكلفني رئيس التحرير بمرافقة الجريدة، حيث صدر العدد في اليوم الثاني في طرابلس، فجاءة بدا وكأنني رئيس تحرير تنفيذي. وعقب وصول رئيس التحرير لطرابلس، عملت كمشرف على الصفحة الثقافية الفنية.

جيء بـ "سالم والي" لرئاسة الجهاد، لما نقل محمد على الشويهدي كرئيس تحرير لمجلة الثقافة العربية، وكان قد وصل الأستاذ عبد الرحمن شلقم من القاهرة عقب تخرجه التقينا بالجهاد بمقرها بشارع الوادي مقر جريدة البلاغ التي أغلقت، انتقل شلقم إلى الفجر الجديد بعد فترة وجيزة. وبعد سوء وضعي في الجهاد، زمن رئيس التحرير الجديد من لا علاقة له بالصحافة، عُدت أدراجي إلى بنغازي للعمل بالإذاعة.

لكن مع تسلم الشاب عبد الرحمن شلقم، لرئاسة تحرير الفجر الجديد، عُدت إلى طرابلس، بصفحة ثقافية التي أشرفت عليها، حافظت على اسمها القديم "آفاق ثقافية"، لكن أضفت عبارة "كتابات شابة"، فغدت: آفاق ثقافية- كتابات شابة، وأول افتتاحية كتبتها للصفحة تحت عنوان: "كتابات شابة لا كُتاب شباب"، كنت أُجهز الصفجة تحريرا وإخراجا مرفقة بالرسومات والماكيت، في مدينتي بنغازي، وأرسلها مع أحد المسافرين إلى طرابلس بالطائرة، وقد كان القاص عبد السلام شهاب يطبع المادة الصحفية على الآلة الكاتبة، ويراجعها القاص محمد المسلاتي، ويخرج الصفحة الفنان المصري عبد العزيز تاج، من كان يعمل مدرسا للرسم ببنغازي، وقد شارك كذلك أسماء كثيرة من جيلي في تحرير الصفحة: آفاق ثقافية كتابات شابة، قدمت أسماء جديدة في ليبيا، ستعرف فيما بعد بجيل السبعينات، وتناولت أطروحات جديدة فكرية وفنية في ليبيا حينها، وقد كانت صفحة ثقافية أسبوعية، لمدة عام( 1976- 1977م ) ولم تتوقف، إلى أن قبر القذافي جريدة الفجر الجديد، وحولها إلى نشرة إخبارية.

عام 1977م، عقد مؤتمر الكتاب العرب بليبيا، لأول وآخر مرة، فأصدر رئيس اتحاد الكتاب والأدباء الليبيين، ورئيس المؤتمر الأستاذ خليفة التليسي، قرارا بتعييني رئيسا للجنة الإعلامية للمؤتمر، فقدمت فكرة أن نُخرج ملحقا في جريدة الفجر الجديد، كي يوزع على جمهور القراء، بدل أن نُصدر جريدة توزع في قاعات المؤتمر، حيث وافق الأستاذ "خليفة التليسي" رئيس المؤتمر، والأستاذ "على محمود مارية" رئيس تحرير جريدة الفجر الجديد، التي كنت مشرفا على صفحتها الثقافية "آفاق ثقافية - كتابات شابة"، وقد تابع على مارية الملحق، وطباعته بشكل شخصي، أما التليسي فكان قد منحني الثقة ولم يعرف ما يصدر، وكان عمل معي في الملحق الذي جمعتُ مادته، واشرفتُ على الطباعة، وقمتُ شخصيا بتوزيع نسخ المؤتمر، بشكل قوي الأستاذ سعد نافو... وآخرون.

تعليق:

التدوين المزور سرقة معلنة، لكن ما في الذاكرة فحسب تذروه الرياح، ولهذا كثير مما دونه هذا وذاك لا مصداقية له، وكذا التاريخ الرسمي، غير أن هذا المزور ليس ثمة ما يدحضه، أو على الأقل ما يضع نقاطا ما على السطر، هذا ما كنت أفكر فيه، لما أرقب البعض يسرق جهد الآخرين، لكن بالمقابل كنت آسي على المثرثرين، من أضاعوا الجهد والوقت، ولم يجلسوا لوقت ضئيل ليُدونوا ما فعلوا، مبررين لأنفسهم ذاك التكاسل، والتقصير، في حق أنفسهم وفي حق الآخرين.