Atwasat

اليوميات الليبية

أحمد الفيتوري الثلاثاء 21 أبريل 2020, 07:07 صباحا
أحمد الفيتوري

(حسن الفقيه حسن- اليوميات الليبية- الجزء الثاني
– الحرب الأهلية ونهاية العهد القرمانلي- (1248-1251 هـ - 1832-1835م)
تحقيق عمار جحيدر - مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية/ الطبعة الأولى 2001م)

تقدمة المطالعة
طالعت الجزء الأول، ما صدرت طبعته الأولى 1984م، ولم أطلع على الجزء الثاني، حتى حصلت على الجزأين معا، من معرض القاهرة للكتاب 2020م، وذا الجزء الثاني، من تحقيق المؤرخ عمار الجحيدر منفردا، فيما الأول شاركه محمد الأسطى "رحمة الله عليه"، وقبل لابد أن نسجل، أن تحقيق الكتاب ونشره، يستحق الثناء والتقدير، ونخص المؤرخ عمار جحيدر، من هو معروف ومُقدر في مجاله، بالمثابرة والبحث الدؤوب.

أقول طالعت لاعتبار أني، كنت مندهشا، من هذا السفر الثمين ومعه، وما قلّ نظيره. ولاعتبار أني، في مقام القارئ المتمتع بما يقرأ، وما شدني، غير القيمة التاريخية والحفرية، القيمة اللغوية، فإني غاوٍ للهجات، ومن هذه الغواية، شدتني اللهجة الطرابلسية، لما جئت مدينتي اطرابلس، مقتبل الشباب. فلما وجدت الكتاب، لقيت حفريات اللهجة، فالكتاب أثر للهجة عند بدء القرن التاسع عشر.

هذا ما كنت مشدودا اليه، وهذا مبحث غويص، يحتاج لمختص، لكن الهواية مثل الغواية، جعلتني أدرك أن كتابا كذا، حافظ للهجة تمحى وتندثر، بفضل سيدة اللهجات ما تدعى بالفُصحى. وهذه ملاحظة ليس إلا، أشير إليها لأبين جانبا أغواني، في هذا السِّفر الثري، ما يتيح أوجه عدة للقراءة. وقد كنت وقعت في هوى كتاب: "الساق على الساق" للشدياق، وهو سيرة وليس يوميات، لكن يجمعه بيوميات الفقيه، فقه اللغة واللهجات، وأنهما من حفريات القرن التاسع عشر، ما لم يتم تنقيبه، بتؤدة علماء وبحاث الآثار المثابرين.

حديث السفر

على أي حال، هذه التقدمة، من لزوم ما لا يلزم. لكن لزومها في أني، لست في حال الباحث، بل في حال القارئ المستعرض، من يقلب أوراق السفر، ما قدمه سنة 1978م في جزئه الأول، حفيد الكاتب: المرحوم على الفقيه حسن، ومما جاء في المقدمة، ما يؤشر للجزء الثاني الذي أطالع: "ومن خصائص هذه (اليوميات التاريخية)، أن مؤلفها رحمه الله، كتب تفاصيل الحرب الأهلية، التي جرت بطرابلس من سنة 1248هـ إلى أول 1251هـ، وهذه الحرب جرت بسبب تنازل يوسف القرمانلي عن الولاية لابنه علي، فلم يرض هذا التنازل الشعب، الذي أعلن الحرب على يوسف باشا وابنه علي، وقد انضم إلى الأهالي الناقمين، حفيدا يوسف القرمانلي، وهما محمد بن محمد القرمانلي وأحمد القرمانلي، واستمرت الحرب بين سكان مدينة طرابلس، حيث يقيم يوسف القرمانلي وابنه علي، وبين سكان المنشية والساحل وسائر الأرياف، حيث يقيم حفيدا الباشا القرمانلي، المنشقان عن عمهما على القرمانلي. ولقد بقيت مدينة طرابلس، مغلقة الأسوار مدة ثلاث سنوات، والحرب تستمر بين سكان المدينة وجماعات الأرياف. ولقد سببت هذه الحرب الأهلية، في كثير من ضحايا الوطنيين الأبرياء. ووقائع هذه الحرب مسطرة، في يوميات السيد حسن الفقيه حسن...".

الجزء الثاني يحتوي يوميات هذه الحرب، وهو ما كان مرجعا لكتب عدة طالعتها، عن تاريخ هذه المرحلة، لكن اليوميات سجل شاهد عيان، كما شريط وثائقي لمراسل حربي. ويعتبر مسجل اليوميات نفسه طرفاً في الحرب، ويبين ذلك المحقق عمار جحيدر، في الجزء الثاني بمقدمة مزيدة: "سبقت الإشارة، في مقدمة الجزء الأول، إلى أن الجزء الثاني من اليوميات الليبية، يستقل بتغطية الحرب الأهلية 1832-1835م، التي اشتعل أوارها خلال تلك السنوات المتصلة، بين ما عُرف آنذاك بالداخل والخارج، أو حكومة المدينة، وحكومة المنشية، مع من انضم إلى الطرفين من الدواخل. وهذه اليوميات تمثل رواية (شاهد عيان) معاصر للأحداث، يرصدها بملاحقة عجيبة ومتابعة فذة. (إلا أن المؤلف كان يرصد الأحداث، من موقعه بداخل المدينة المحاصرة، من قبل الثوار- المتمردين-، كواحد من المؤيدين لعلي باشا، وريث يوسف باشا القرمانلي. ولكن عمله مع ذلك، كان يشمل أخبار الطرف المقابل ما وسعه ذلك، حيث كان هو كمؤرخ، كما كانت حكومة المدينة، تتسقط الأخبار عنه من مختلف المصادر)...".

نمذجة من السِّفر

أتغيا بهذه المقالة، مسّ لبّ الجزء الثاني، وتحسس موضعته الرئيسة، ما تأتي كما سيناريو، في مشاهد مركزة، اليوميات لقطة زوم في كادرها مجمل الحدث، ولما جاء باللهجة، فيمكن تحسس المشاعر اللاهثة المتوترة، وهي مرقمة، ما يعلق عليه المحقق جحيدر: "... وقد كان حسه الرياضي-التجاري، وراء هذه العناية، التي سيبلغ بها في هذا الجزء، شأوا بعيدا ومبلغا فذا..". مع تنبيه أني ما أنقله من اليوميات، محققا ومشروحا، لكن سأورد ما اخترت، كما جاءت تسعى من كاتبها، فللقارئ التلقي الطازج، وله أن يضع نفسه، في حالة النص كما هو، وإن أراد غير ذلك بمكنته الرجوع إلى الكتاب.

كما لاحظت فإن، حسن الفقيه حسن يكتب في اللحظة، مدغما ما ينطق وما يشاهد، ولذا يخطيء ويستدرك، كما في أول اليوميات، وكل المتن:

1- أيضا ليلة الجمعة في 28 من شهر صفر 1248، عند المغرب، وقعت نوضة الساحل والمنشية، وذلك من سبب الذي داروا عليهم، على الأبيار، وعملوا اليد، مع أولاد الباي محمد وتكاتبوا، ووقع في البلاد هرج وعسة في الأبراج- وربنا يحسن الخلاص- والسلام.

2- أيضا يوم السبت في 28، بل يوم الجمعة في اثنا عشر ساعة النهار، ظهروا الانزام من سبيب وتريس المدينة إلى الأزارية، ومعاهم القايد حسن المملوك، وظهروا مدافع ووقع بينهم وبيننا البارود، ومدافع بالكور من الحصار المعمور، إلى أربع ساعات غير ثلث بعد الاثنا عشر ساعة فضت العركة، ودخلوا الخيل والانزام، ومات من الانزام عدد 1 وانجرحوا منه عدد 8، وانجرحوا من الخيل ومن عبيد الانزام عدد 8، مات 1، وأرسل سيدنا نادى الشيخ، وأمره بأنه يصلحوا الباب الدخلاني الذي من خلف المدينة، وجماعة البلاد كلهم على الأسوار (يذكر المحقق أن في اليوميات تكتب السين صاد) على العيون ودار البارود وبرج الكرمة وسيدي عمران وغيره والسلام.

6- أيضا السبت 29 منه، قدم علينا بريك فرنساوي من طولون، على يوم عدد 8 ولن طلقوا عليه السالوتي، لأجل واقع العراك مع أهل المنشية والسلام.

289- أيضا يوم الثلاث، في 5 من جمادى الثاني 1248هـ، سمعنا بأنهم عرب مصراته، وقع بينهم البارود ما بين الجهانات وغيره من لاغه عصمان الادغم، وأخبرونا كذلك على ابنه، لأنه أخبرونا بأنه ضربت عليه النوبة، وجعلوه أولاد سيدى الباى محمد باى بنغازي، لما وصل الى مصراته منعه أبوه من القدوم اليها، قال له: إحنا آش ولينا لين تلحقنا طريق باى، لما وصل له ابنه حكمه، لأنه كان عندهم رهينة.

هذه نماذج من اليوميات المرقمة، وهي تقريبا حال كل اليوميات، ما تأتي أيضا كما برقيات مراسل حربي، تختزل وتعطي أهم ما في مشهد تلكم الحرب الأهلية، التي يقدم أيضا تفاصيلها الأخرى الكثيرة، كمثل دعم السفير الانجليزي أنذاك لاحفاد يوسف القرمانلي، بل واقامته في المنشية. والجزء الثاني من اليوميات رصد لهذه الحرب، حتى نهايتها فنهاية حكم الأسرة القرمانلية، وذلك بمجيء المشير مصطفي نجيب باشا حاكما على إيالة طرابلس، من أرسله السلطان العثماني وقطع من الأسطول الحربي، لتنفيذ الإرادة العلية، التي تمت ضمن توافق دولي، مع الدول العظمى حينها.

إنه كتاب يستحق القراءة، بل والبحث والدراسة، وعقد ندوات حوله، فهو يحتوي طبقات مختلفة، لم تنقب بعد، بل إن الكتاب كأن لم يصدر، الكتاب الذي قلّ نظيره.