Atwasat

رومانسي حتى الثمالة

أحمد الفيتوري الأربعاء 15 أبريل 2020, 08:29 صباحا
أحمد الفيتوري

(دائما ما يبدو الأمر مستحيلا، حتى يتم الأمر) - نيلسون مانديلا
• الحب زمن الحرب!

تغلغل الحب في الفؤاد، لما تغلغلت الحرب في البلاد، كان "عمر المختار"، قد حاصر بنغازي المدينة عن بعد، بما أسماه "غراسياني" القائد الإيطالي الفاشي، في مذكراته، بحكومة الليل. من أصابهُ الحب، كان عاد من الإسكندرية لتوه، ليجد الأوضاع في المدينة رائقة، رغم الحرب. عاد ورفيقه الشاعر أحمد رفيق المهدوي، من مهجره حيث واصل تعليمه، وبهذا حصل على وظيفة، وبدأ يكتب وينشر مقالات وقصصا قصيرة، ما ترجم بعضها أيضا عن الإيطالية فيما بعد، لقد أجاد تلك اللغة إلى حد بعيد، كما فعلت ثلة من نخب المدينة. ومن بين صحبه أولئك، تغلغل الغرام في الفؤاد، فتاة إيطالية أغرمت، بالشاب الوسيم المتفرد الأنيق اللبق، هكذا رأته فوقعت في حبه حتى الثمالة. لكن أباها المسئول الكبير في الحزب الفاشي بالمدينة، رأى أن الشقاء في ذا الحب، لم يفلح في الضغط على ابنته، لأجل نسيان هذا العبث، بل وجد أن فعله يؤجج وجدها بالفتى العربي. لذا حسم المسألة، بأن هدد الفتى العربي، من كان في وضع الضعيف القوي. العقل المتشائم للفتى، يلح عليه بالانزواء والعزلة، فيما الإرادة المتفائلة، تدفع العاشق المعشوق للتحدي. منطق حاله أن لن يخسر شيئا بالتحدي، وبغيره سيكون الهباء، هذا ما وكده له أيضا الرفاق. لكن الإيطالي مالك السلطة والقوى، تدبر أمره، فإذا بالموظف الصغير، وهبي البوري، على باخرة متوجهة إلى المغرب الأقصى. نُقل الفتى العربي، للعمل في السفارة الإيطالية، بالمدينة المغربية الدولية طنجة، حدث ذلك بعد سنوات، من شنق عمر المختار في 16 سبتمبر 1931م.

لم يأمن الحرب في طنجة، فما إن وصلها، حتى اندلعت الحرب الكبرى الثانية، ففر الموظف الصغير مع الفارين الإيطاليين، إلى روما الفاشية حليف هتلر، حيث تسنى له العمل بإذاعة روما العربية، كمحرر ومترجم للأخبار ومذيع. ثم بالمصادفة أصبح مترجما أيضا، للشيخ أمين الحسيني الزعيم الفلسطيني، من فر إلى بلاد موسوليني، من بطش المستعمر الإنجليزي في بلاده، وبذا رافق الشيخ إلى برلين لمقابلة هتلر، سعيا لدعمه في مواجهة مستعمر بلاده الإنجليز. وصل برلين لما وصلتها الحرب مكثفة، صعب الرحيل كما صعب المعيش، فرأى أنه المنحوس بين البشر، حيث جاع، القصور ما فر صحبها مليئة بالثمين من المجوهرات، لكن لم يتيسر له حتى فتات الخبز، استسلم لقدره موكدا لنفسه اللوامة، أن من لم يُقتل في الحرب، مات من آثارها جوعا. طريد الحرب هذا، كان الحب منقذه، عند حافة الهاوية، اتصل به المذيع العراقي، بإذاعة برلين العربية، يونس البحري، هذا الزميل دعاه ملحا، لمرافقته إلى وليمة باذخة، من قاربَ الموتَ جوعا، قاربٌ استله من أمواج الحرب العاتية. ذكر له البحري لما تقابلا، أن له حبيبة ألمانية، تعمل طباخة مسئولة بمطبخ الجستابو، بالقسم المسئول من هذه المخابرات، على حراسة الفوهرر هتلر. الحب حليفه، فلقد ساعده الزميل الصديق وحبيبته، على مغادرة برلين، الغارقة في يم غارات قوة الحلفاء، غادرها إلى روما.

لكن روما أيضا، كانت قاب قوسين، أن تمسي روما المدينة المفتوحة، من قبل قوة الحلفاء، لذا وجد القول أن لابد من روما وإن طال المدى، يصح هذه المرة على ليبيا، بلاده ومدينته بنغازي ما تتبادلها قوات المحور والحلفاء. أخبار الساعة، جاءت تسعى إليه، أن القائد الانجليزي مونتجمرى الأسد العجوز، تمكن من الثعلب الألماني رومل، في معركة العالمين، البشائر تهل بالعودة ما لا يستطيع إليها سبيلا. كما تهلل بالبشائر هلّ الحب سبيلا، فاتصل بحبيبته في روما، أغبطها الاتصال، فدعته للعشاء في بيتهم، ما كان بقرب الميناء، فتاته كانت فقدت أمها من أثر المرض والحرب، وهي البنت الوحيدة لرجل، من حين ضمتهم المائدة تعرف عليه، وقدم له نفسه كضابط جمارك يعمل بالميناء. في المساء، عند اليقظة والنوم، بإلحاح شديد غمرته بنغازي، وشاهد قاربا في ظلمات بحر أبيض، ثم يدا تدفعه إلى القارب، وأخرى تمسك به نحو الأمواج المتلاطمة. فطن من الحلم الكابوسي!، مد يده نحو الهاتف، هاتف حبيبته فأفجعها حاله. في الصباح اتصلت به، يأساً، بعد أن تبخر حلمها بالوصال، أخبرته بأن أباها، رحب بفكرة تهريبه في باخرة.

عند توسط الباخرة المتوسط، غادر مكمنهُ، وقدم نفسه للقبطان، من متبرما غمغم: نعم الحياة صعبة، لكن الموت أصعب، ثم ذكر له أنه سيمر بقناة السويس، متجها إلى المستعمرة الإيطالية الصومال، وأخبره أن بمكنته النزول بمصر.