Atwasat

لقطات كورونوية- 2

جمعة بوكليب الخميس 02 أبريل 2020, 10:39 صباحا
جمعة بوكليب

1

ما يسمعه المرء ويشاهده على شاشات التلفاز وعبر موجات الأثير، وما يقرأه من أخبار وتقارير وتحليلات في الصحف ووسائل الإعلام الاجتماعي حول فيروس كورونا، وما أحدثه من خوف ورعب في النفوس، أمرٌ ليس من السهل، نفسياً، التعامل معه، بسبب ما يراكمه، بشكل يومي، من قلق وتوتر.

الأمر الآخر هو أن معظم ذلك يشير إلى وجود شيء من اتفاق ضمني لدى أغلبية الناس، والسبب، كما يرددون، هو أن الفيروس اللعين يوزع لعنته بالتساوي وبإنصاف على الجميع. فلا نجاة لأمير، ولا فرار لرئيس وزراء، ولا ملجأ لغني أو فقير، أو قروي ومديني، أو كافر ومؤمن. وهذا في نظري، أمر يجافي الحقيقة. لأن أصحابه تجاهلوا إما عن عمد، أو بحسن نيّة، الله أعلم ، حقيقة أن الفيروس حريص على توزيع نسبة أعلى وقاتلة من لعنته على كبار السنّ.

فمن أين، إذاً، جاءه الإنصاف؟ وكيف يكون عادلاً؟ ولماذا اختار أمثالي ليلقي عليهم بأكثرية حِمَمِ لعنته؟ ومتى كانت الأوبئة، قبله، تفرّق بين الضحايا؟ وهل كبار السنّ يستحقون هذا العقاب المجافي للأعراف والتقاليد، والخالي من التعاطف والشفقة؟ وأين يجدون الصبر في عالم على خصومة مع الإنصاف والعدل؟ ولمن يرفعون شكواهم؟

أليس الاعتذار لهم واجبا، وجوب ضرورة مراجعة وجهة النظر تلك؟

2
من ياترى سيقود العالم في حقبة ما بعد القضاء على الوباء؟

ما جرى إلى الآن من معارك، في ميادين العالم، يشير إلى احتمال أن تكون الصين. وهذا يعني، ضمنياً، زحف وتقدم خط أنظمة الاستبداد الشرقي وتراجع الخط الليبرالي الديمقراطي. لكن هذه الحرب الفيروسية لم تنته بعد. والصين لم تفز، حتى الآن، إلا في جوّلات أولية، في حرب يتوقع لها أن تكون طويلة الأمد، لاتنتهي باكتشاف مصل واق لوباء، ولا تتوقف عند تخلص العالم من فظائعه، بل ستمتد وسيدخل العالم، كما يؤكد معلقون سياسيون بريطانيون، بدون تردد أجواء ومناخات ومستنقعات وأحراش حرب باردة أخرى، ولكنها ستختلف عن السابقة اختلاف عقلية وطموح وأطماع التنّين الصيني في القرن الحادي والعشرين عن الدّب الروسي أيام الاتحاد السوفييتي في القرن العشرين.

ومن المهم لنا، أيضاً، الاستعداد للتعامل مع مفردات ومصطلحات معجم لغوي جديد، وتقنية جديدة، و.. إلخ الخ، بمعنى أن الجِدةَ ستطال كل وسائل الحرب القادمة. الاستثناء الوحيد هو أن الحرب ستدور معاركها على سطح كوكب قديم وهرم.

3

التباعد الاجتماعي، مصطلح جديد أضيف، مؤخراً، إلى معجم مصطلحاتنا اليومية. قبل ظهوره بأسبوعين تقريباً، أضفنا مصطلح مناعة القطيع. وهذا الأخير، ليس جديداً تماماً، وسبق تطبيقه في فترات مختلفة، في القرن الماضي، خاصة في حملات تطعيم الأطفال بالأمصال الواقية من الأمراض.

لفت انتباهي أن عديداً من المعلقين الليبراليين المعنيين بالحريات الشخصية، عارضوا بشدّة استخدام المصطلح لارتباط الاستخدام بالسلطة. فهم يرون أن العلاقة، في البلدان الديمقراطية، بين الحكومة والمواطن يحددها دستور يضمن للمواطن حقوقه، ويحدد له واجباته، ويضع للسلطة تفاصيل مهامها، ويُرسّم حدودها. وأن يتحوّل الخطاب اليومي بين الحكومة ومواطنيها، لمنع انتشار الفيروس، إلى تواصل بين "راعٍ وقطيع"، فذلك أمر يدعو للقلق. ويوضحون أنه قبل أن تحوّل الحكومة المواطنين إلى قطيع، قامت بإعلان حالة الحرب، وفرض قوانين الطواريء.

ويقولون إن الحرب مفردة تستدعي الخوف. والخوف يحدث الارتباك. والارتباك يشلّ تفكير المواطنين، ويمنح الحكومات صكوكاً على بياض لتفعل ما تريد، بدون حسيب، وبالتالي، ترى الحكومات أنه لا ضرر ولا ضرار في منح الديمقراطية راحة طبية، وأنه لا خوف على المواطنين إن حُوّلوا، مؤقتا،ً إلى قطيع يقاد إلى حيث يراد لهم، من دون أسئلة، ولا مظاهرات واحتجاجات إن أرادوا النجاة من الوقوع بين أنياب الفيروس المميتة!

4

الكاتب البريطاني النيجيري الاصل بن أوكري – Ben Okri نشر مقالة في صحيفة الفايننشال تايمز تحت عنوان حاجتنا للفن الآن.

بن أوكري كاتب، وشاعر مرموق، وروائي مبدع سبق له الفوز بجائزة البوكر عن روايته The Famished Road حول الحرب الأهلية النيجيرية التي نشبت عام 1968بسبب انفصال إقليم بيافرا، وعاصرها طفلاً.

في المقالة المذكورة يتعرض الكاتب للظروف التي يمر بها العالم هذا الوقت ويكتب معلقاً: "إذ بينما يجب علينا الحرص على أنفسنا بحمايتها وحماية الآخرين من الإصابة بعدوى الوباء، من المهم السؤال عن دور الفن في هذه الأوقات العصيبة. واتضح لي أننا في وقتنا هذا في حاجة إلى الفن أكثر من أي وقت مضى. نحن في حاجة للفن لتذكير أنفسنا لماذا الحياة جديرة بالعيش. نحن في حاجة إلى الفن ليعيد ايقاظ شعورنا بالوجود، وليذكرنا بحرّيتنا، وليضيء ما في ثقافتنا من أشياء تمكننا من تحمل صورة الموت المروعة."

ويرى الكاتب أن الفن، تاريخياً، اكتسب قوته من مواجهته للموت واستشهد بذلك بما كان يقال عن حمل الناس في ايطاليا، قديماً، لدى ظهور وباء الطاعون لوحات فنّية وهم يعبرون الشوارع لمواجهة الوباء. وأضاف موضحاً: "قد يقول البعض ليس تلك اللوحات في حد ذاتها ما كان ينظر إليها بأنها صور تكافح الوباء، ولكن موضوعات تلك اللوحات من رسومات للسيدة العذراء وللمسيح هي التي كانت تستخدم لمواجهة موت انتشرعلى مقياس عظيم كان من الصعب على الناس فهمه. لايهمّ أيٌ من التفسيرين كان الأصح: ما يهمُّ هو أن الفن صار سلاحاً في مواجهة الطاعون."