Atwasat

الحياة في زمن كورونا

عبد السلام الزغيبي الإثنين 30 مارس 2020, 08:27 مساء
عبد السلام الزغيبي

بين يوم وليلة تغير نمط معيشتنا بالكامل...أصبحنا في وضع أشبه بالإقامة الإجبارية... لا نخرج إلا بتصريح للذهاب لقضاء مصالحنا المحدودة.. سوبر ماركت صيدلية فرن.. تنزه مع حيوان أليف، وغيرها من المشاغل اليومية.

تغييرات كثيرة حدثت في أيام معدودة في علاقاتنا الاجتماعية.. وأصبح الخوف هو سيد الموقف.. وبعدما كانت القبلات عل الخدين والمصافحة بالأيدي أدوات الترحيب.. تغير كل شئ، وأصبح التباعد والسلام من بعيد هو الشائع، وبدأت عملية تجنب الاحتكاك المباشر بين الأشخاص، واتخاذ تدابير وقائية من خلال ارتداء الكمامات، والقفازات، سمة سيطرت على عديد المظاهر الاجتماعية حول العالم خاصة في البلدان التي ظهرت فيها حالات إصابة أو وفاة.

وصدرت القرارات الحكومية بضرورة التزام المنازل تجنبا لاتساع رقعة تفشي الفيروس. وحرمنا من ارتياد المطاعم والمقاهي التي أمر أصاحبها بضرورة إغلاق أبوابها، تخوفًا من زيادة معدل انتشار الفيروس وحرمنا كذلك من التجول في الميادين والحدائق.. وحرم المتدينون من زيارة الكنائس والمساجد التي أغلقت لمدة محددة منعا للتجمعات التى ينتقل فيها فيروس كورونا سريعا بين الناس، وحرم الأولاد من الذهاب لمدارسهم.. وتم تقنين ذهاب الموظفين لأعمالهم.. وأغلقت المحال التجارية وأصبحت الشوارع خالية... وتهافت الناس على شراء المنتجات الغذائية.. وبعدها ارتكنوا إلى بيوتهم مرغمين.

لا أريد أن أقلل من خطر الفيروس القاتل، لكن الهلع والذعر والقلق والخوف تسببت فيها وسائل الإعلام أكثر من الفيروس.. أشاهد القنوات العربية واليونانية، التي حولت برامجها إلى مهرجان نحيب ونواح، والى سيل منهمر من الأخبار والمتابعات لهذا المرض، ونشر تفاصيله وما يتعلق به في كل دقيقة وثانية، حتى لم يعد للعالم حديث سوى كورونا، وكأن نهاية العالم غدا، زد على ذلك طغيان أصحاب الشائعات والمنظرين وأصحاب الفيديوهات الذين يخرجون في كل مصيبة، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وعبثت في الأذهان بمعلومات وأخبار ملفقة، أحدثت إرباكاً وفوضى إعلامية ومعلوماتية في كافة أقطار الأرض. يرعبون الناس بمعلوماتهم المغلوطة، والمشوشة والمهولة من الحدث دون اعتبار لدرجة وعي عامة الناس وما يتسب لهم من مشاكل نفسية وضغط عصبي، ظهر ذلك من خلال الأعداد الكبيرة من مكالمات المواطنين اليونانيين لرقم مخصص للمساعدة النفسية، الذي تلقى عدد 310 مكالمات للفترة 11 -20 مارس ، 200 منها تتعلق بالدعم النفسي للمرضى و110 تتعلق بالمعلومات الطبية حول الفيروس.

نحن المواطنين البسطاء ، من أجل أن تكتمل الصورة حول المرض اللعين في أذهاننا، يحاول كل منا الاطلاع على عدة مصادر إعلامية لتبيان الحقيقة، لكن ينتهي بنا الأمر إلى الغموض أكثر وأكثر بسبب تدفق سيل من المعلومات لا نستطيع كيف نميز بين الغث والسمين.

لا أحد يشك مطلقاً ما لوسائل الإعلام اليوم من تأثير بالغ على التوجهات والأفكار، وما ينتج عن ذلك من سلوكيات وأفعال متنوعة. الإعلام عنده القدرة على تضخيم أي أمر تافه حقير، أو التقليل من شأن أي أمر عظيم.

والأحداث من حولنا أكثر من أن نحصيها هاهنا في مساحة محدودة.

دون الدخول في التفاصيل، فإن ما يحدث بالعالم اليوم، يوضح لنا ما لوسائل الإعلام من تأثير بالغ وعميق. وخاصة في أزمة مثل أزمة تفشي فيروس كورونا في العالم وبسرعة قياسية منذ بداية العام الجديد، وأن الهلع الذي أصاب العالم كله، والذعر الذي يعيشه ملايين البشر، إنما ليس بسبب الفيروس وسرعة انتشاره، ولكن بسبب تضخيم وسائل الإعلام للأمر – وأدى إلى تعطل الحياة على نحو تام أوشبه تام في أجزاء كبيرة من العالم.
فلا رياضة ولا ثقافة ولا فكر ولا فن ولا حياة اجتماعية صار يطيقها البشر، بل بدلاً من ذلك تبدلت الأولويات عند الشعوب والدول، فصار المطلب الرئيسي هو كيفية وقف انتشار هذا الفيروس.

بدأت وسائل الإعلام بكافة أشكالها بالحديث عن المرض وكيفية انتشاره وكيفية تجنبه، وغير ذلك من معلومات وأخبار، حتى صار حديث الشارع، الأمر الذي صنع ذعراً وقلقاً وخوفاً في النفوس، وزاد الطين بلة – أن تفلت من يدها من أجل قيادة وتوجيه العالم، شعوباً وأنظمة، كي تحقيق مرادها، سواء كان المراد من هذا التشكيل الذهني للناس هو التربح والتكسب المادي، أو السيطرة على طرائق التفكير وأساليب الاستهلاك عندهم ودولهم كذلك، مما رسخ لدى العامة فرضية المؤامرة، خاصة بعد تبادل الاتهامات بين الصين وأمريكا حول المسؤولية عن نشر الفيروس القاتل، ويبقى المواطن هو الضحية الأولى والأخيرة في كل مصيبة تحل على العالم.