Atwasat

كورونا غاضب

سالم العوكلي الثلاثاء 24 مارس 2020, 01:38 مساء
سالم العوكلي

بسبب كورونا المستجد أُعلن عن إيقاف مركزين للتجارب الصاروخية، وإقفال عدة مصانع للأسلحة.

تقول بعض الإحصاءات التقريبية أن الأسلحة القديمة والمستجدة التي طورها الإنسان قتلت من البشر أضعاف ما قتلت الأوبئة المسجلة، فالأسلحة تنتشر في العالم أكثر مما تنتشر الفيروسات الفتاكة، ولم يسلم من شرها مكان في عالمنا المحسوس، وفي حالة الوباء قد يلوذ الإنسان ببيته فينجو، لكن البيت، ولا حتى قبوه المسلح، من الممكن أن يحمي الإنسان من الصواريخ والقنابل والقذائف العشوائية التي تنتجها المصانع الفارهة في الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية الكبرى، والتي يشكل سوقها التجارة الأولى في العالم، وتتحكم لوبياتها في سياسات الكون.

قد نجد لقاحا لأي فيروس ولكن أي لقاح يحمينا من مصانع الأسلحة التي تضخ يوميا ملايين الأطنان من الذخائر المصنعة من أجل قتل الإنسان، ولا شيء غير الإنسان، ومن أعتى المواد المتفجرة التي أصبحت في متناول أي مجنون يفجر نفسه وسط حشد من الناس مستعينا بالله أو بالشيطان. الأسلحة التي يسهر العلماء يوميا من أجل تعديلها أو تطويرها لتصبح قادرة على قتل أكثر عدد من البشر في أقل وقت ممكن، وقادرة على أن تخلف دمارا شاملا.

كورونا غاضب، وهو كائن قديم من عمر الإنسان الأول الذي كان يصنع سلاحه من الحجر من أجل صيد الحيوانات ليوفر قوت يومه، قبل أن تبدأ غريزة التملك والسيطرة والهيمنة، ويكتشف الإنسان النار لتطويع المعدن، ومن ثم خوض ملحمة صنع السلاح ضد أخيه الإنسان عندما وفرت له الزراعة وتدجين الحيوانات قوته اليومي وأصبح الصراع على الأراضي والمراعي في حاجة لقتل الإنسان للإنسان، ومن هناك بدأت فيروسات السلاح تتطور وتتحور وتمر بطفرات جينية حتى وصلت إلى قنبلة هيروشيما التي قذفها طيار من فوق السحاب على مدينة هادئة يخطط سكانها ليوم الغد، وقتل 200 ألف نفس وعاد ليشرب القهوة في شرفة بيته ويراجع دروس أولاده.

من يشرف على تطوير هذه الأسلحة المرعبة نخبة من عقول ونوابغ العالم الذين تتسابق مصانع الأسلحة ومختبراتها من أجل احتكار عبقرياتهم، ولم تكفِ جائزة نوبل لتُكفِّر عن إثم اختراعه للديناميت الذي ابتكره من أجل شق الطرق وحفر المناجم، ثم رآه قنابل تحيل البشر إلى أشلاء بعد أن وقع في أيدي المتلاعبين بكل أدوات القتل البلستية والذرية والهيدروجينية والكيميائية والجرثومية، وكلها من اختراعات الدول المتبجحة بالتحضر في طليعة العالم وتقود مصيره، والتي بعد أن دخلت مرحلة الحرب الباردة جعلت ما تسميه بالعالم الثالث سوقا لكل أنواع هذه الأسلحة كي تنوب عنها في تحريك تروس مصانع الموت المعلب.

أُوقِفت بعض مراكز تطوير الصواريخ وبعض مصانع الأسلحة بسب كورونا الذي يتفشى في الزحام وخوفا على العقول الذكية وما يقبع داخلها من فتوحات جديدة في تنافس الشركات المحموم على تطوير أدوات القتل. وماذا تفعل هذه العقول الذكية؟ إنها تسابق الزمن من أجل تطوير وتصنيع أسلحة أكثر فتكا بالجنس البشري المغضوب عليه والخارج عن طاعتها. تبرر هذه الصناعة بكونها موجهة نحو الأشرار في العالم، وقاموسها الأخلاقي وحده ما يحدد أخيار العالم وأشراره، أو محور الخير ومحور الشر كما يصرح ساستهم، فأصبح الاحتلال في نظرها خيرا ومقاومته شرا كما في فلسطين. ورغم ذلك فثمة شرور وأشرار في هذا العالم لكن هذا الشر تزوده المصانع نفسها بالأسلحة الفتاكة والذخائر ومواد التفجير القوية، ولولا هذه المصانع وهذه الأسلحة ما استطاعوا ممارسة شرورهم بهذه الضراوة. المصانع الأنيقة والمكيّفة التي تضج تروسها في قلب الديمقراطيات وفي قلب موسيقى الروك والأغاني الريفية.

تقول السيدة، كاترين أشتون، المنسقة السابقة لشؤون الخارجية في الاتحاد الأوربي، مجيبةً عن سؤال يتعلق بتصدير السلاح إلى حروب إفريقيا الأهلية، ما مفاده: نحن نبيع لهم السلاح ليدافعوا به عن دولهم، وليست مشكلتنا حين يستخدمونه بالطريقة الخاطئة!!. وهل استخدمت أمريكا السلاح بطريقة صحيحة حين قتلت ملايين الفقراء الأبرياء في فيتنام، أو حين قتلت 220 ألف ضحية في هيروشيما ونجازاكي خلال دقيقتين فقط ؟ وهل استخدمته للدفاع عن دولتها وهي تقصف قرى فيتنامية بعيدة لم يسمع سكانها بأمريكا ولا يعرفون أين تقع؟ هل استخدمته فرنسا بالطريقة الصحيحة في حروبها في الصين وفيتنام وهايتي والجزائر وغيرها؟ وهل استخدمته بريطانيا بالطريقة الصحيحة في حروبها في إمبراطوريتها التي لا تغيب عنها الشمس؟ وأذكر هذه الدول لأنها تتقدم صفوف العالم في هذيانها عن الديمقراطية والحرية والحفاظ على السلام العالمي. فهل تبيع المصانع السلاح للدول الأفريقية وغيرها من أجل أن تحيي به أعراسها أو تقيم به المعارض. هذه أسلحة فتك وليست ألعاباً نارية. وحين يقفل كورونا بعض مصانع الأسلحة لمدة أسابيع أو شهور فسيكون وفر من الشر ملايين الأطنان من الذخائر الجاهزة للفتك بأضعاف أضعاف ما سيتسبب فيه هذا الفيروس أو غيره مما يجهز في مختبرات الحرب البيولوجية.

كورونا غاضب من الجميع، من المجرمين المسرفين في غيهم ومن الضحايا الممتثلين، وهو أكثر إنسانية من هؤلاء الذين يستخدمون أذكى العقول في مشروع ضخم للإبادة. كورونا أكثر إنسانية منهم فهو حتى الآن لا يقتل الأطفال، ولا يدمر البيوت فوق رؤوس ساكنيها، ولايؤدي إلى موجات نزوح بالملايين، ولا يستنزف خزائن الدول الغنية والفقيرة التي تُرغَم على شراء السلاح حتى وهي لا تحتاجه من أجل أن يحافظ لوبي السلاح على حيويته وارتفاع قيمة أسهمه وعلى ترتيبه كأول تجارة في العالم.