Atwasat

عودة زمن الخوف

جمعة بوكليب الخميس 19 مارس 2020, 11:08 صباحا
جمعة بوكليب

إلى جانب عام الثلج، وعام الزينقو، وعام الحمير، وعام الهجّة، سوف يضيف الليبيون إلى تقويم ذاكرتهم الشعبية والتاريخية عاما آخر، يطلق عليه عام الكورونا.

سواء أكان ابتلاء من الله لامتحاننا، أو لعنة منه وعقاباً لنا، كما تؤكد على ذلك مناشير صادرة، مؤخراً،عن داعش لكوادرها، أو مؤامرة امريكية أو صينية، كما يحب أنصار نظرية المؤامرة تذكيرنا في إدراجاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فمصدرالفيروس لم يعد مهما الآن، والمهم هو التعامل معه، وتقليل أضراره ما أمكن.

ليس أسرع من فيروس كورونا في الانتشار سوى خوفنا منه. وكأن تنافساً محموماً بينهما من دون أن يبدو وجود خط نهاية حتى الآن. قوى الطبيعة السوداء هي من تحظى باليد العليا الآن، وبين أياديها القاسية خيوط القيادة والسيطرة. وكل ما نفعله نحن، شعوبا وحكومات، يدخل تحت خانة رد الفعل. لذلك يتقدم الخوف وطيداً بمسافات طويلة عن الواقع. ويسير بخطوات واسعة وواثقة نحو المجتمعات، فاتحاً الأبواب أمام ما بداخلنا من قبح ليظهر على السـطح بارزاً ذلك الوعي الذي يجعلنا من دون الحاجة لتعليمات وإرشادات الحكومات، حريصين على تجنب الاختلاط بغيرنا. يلي ذلك الحذر من الآخرين، حيث تنتفي صفة الحياد عن كل من بالجوار. وكل شخص غريب يصير تهديداً.

انقسم الناس فريقين: فريق يقف منتصباً مكابراً على ضفة الإنكار، مؤكداً عدم وجوده، وآخر يقف مرتعشاًعلى ضفة الخوف مرعوباً منه. ولا عزاء للمصابين إن كانوا تحت سن الخمسين، سوى الصبر والامتثال لأوامر الأطباء والمختصين من أهل العلم. أما أمثالي غير المحظوظين ممن تجاوزوها، إن أُصيبوا، فما عليهم سوى التحلي بما تبقى لديهم من حكمة وصبر وعزم، إن وجدوا أصلاً، إلى أن يقرر الله القدير أن يستردهم إليه. وفي الأخير، ودائماً، ياسعدك يافاعل الخير.

المشكلة أن دولاً غربية، متقدمة صناعياً وعلمياً وصحياً، وبموارد لاتحصى، تبدو شديدة الارتباك في التعامل مع انتشار الوباء وتعدد الإصابات، وارتفاع أعداد الموتى، ناهيك عن الأعراض الأخرى للوباء، على المستوى الاقتصادي، وتأثيراتها السلبية على العديد جداً من الصناعات والأعمال التجارية. وعلى سبيل المثال، ما شهدته، مؤخراً، أسواق المال الدولية في العديد من العواصم الأوروبية وفي أمريكا من هبوط كبير في أسعار أسهم الشركات الكبرى عالمياً، وما نجم عن ذلك من خسارة بمليارات الدولارات تجاوزت نسبة الخسارة في الأزمة المالية عام 2008، مما دعا العديد من الخبراء إلى الحديث عن عودة زمن الخوف.

وقرأت، في عطلة نهاية الأسبوع، أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، يوم السبت الماضي، بوقف الرحلات الجوية القادمة من بريطانيا وآيرلندا تسبب في توقف عدد 837 رحلة جوية مقررة هذا الأسبوع بين البلدين، أي 222.106 مقعداً. وهذا بدوره أثار قلقاً استثنائياً في أكبر شركتي طيران بريطانيتين هما شركة الخطوط البريطانية وشركة فيرجين. الأولى هددت بتسريح آلاف الموظفين، والثانية طالبت بمساعدة الحكومة لإنقاذها من إفلاس قادم حتماً!

الفيروس أثبت أن العالم قرية صغيرة، يتنقل في أرجائها بحرية، متجاوزاً ما يقابله من حدود وحواجز سياسية أو طبيعية، وليس أمام دول العالم منطقياً من حلول سوى التعاون فيما بينها لمقاومة انتشاره، والقضاء عليه. إلا أن المتابعة لما يحدث في هذا الشأن تؤكد افتقاد التعاون والتنسيق حتى بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. إيطاليا الدولة المنكوبة تركت وحدها تعاني نتائج ما أحدثه الفيروس فيها من إصابات وموتى، وما سببه لاقتصادها من خراب، من دون أن تحظى بمد يد مساعدة حتى من جيرانها الأقربين رغم طلبها رسمياً. في بريطانيا تبنت الحكومة سياسة لمقاومة لفيروس مختلفة عن غيرها من الدول، بناء على النصيحة التي قدمها فريق الخبراء من العلماء والأطباء والمختصين. وهي سياسة مثيرة للجدل، أساسها عدم التوجه للقضاء على الفيروس، بل تأخيره. وهم بذلك يتوقعون إصابة حوال 60 في المائة من مجموع السكان، وبذلك تتحقق ما أسموه مناعة القطيع. وهذه بدورها ستتكفل بتحصين المواطنين ضد الإصابة به مستقبلاً!. والحل الآني هو الطلب من المواطنين الالتزام بالتعليمات الصحية التي تصدرها الجهات الرسمية المسؤولة تباعاً. الغرض من ذلك هو محاولة منع تعرض الاقتصاد للانهيار عبر تبني سياسة الحجر الصحي الجماعي، كما فعلت الصين وإيطاليا وأسبانيا. ذلك أن المصابين تحت سن الخمسين، وفقا لوجهة النظر هذه، قادرون على مقاومة الفيروس والعودة محصنين إلى ممارسة حيواتهم بعد فترة الإصابة. ويرى المختصون البريطانيون أن الدول التي فرضت الحجر الصحي تعرض مواطنيها إلى خطر الإصابة به مجدداً، لدى عودتهم إلى ممارسة حيواتهم فيما بعد لعدم اكتسابهم المناعة اللازمة. وهذه الاستراتيجية تعد مقامرة، تحمل الكثير من المخاطر، لكن المخاطر تطال البدائل الأخرى أيضاً.