Atwasat

أفكار طائشة!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 10 مارس 2020, 12:51 مساء
أحمد الفيتوري

• فكرة
لم تعد الحياة، الحياة التي نعرف، في هذا العصر السبراني، تعيش البشرية عصر حواء المحرضة على المعرفة، كأنما البشر يولدون الساعة، أو كأنما القيامة الآن، في رواية (كرسي الرئاسة) للمكسيكي كارلوس فوينتيس: عام 2020م، تتوقف الحياة في المكسيك، لأن هناك قوى عظمى بيدها تعطيل الانترنت، الرواية سفر هذا العصر تنبي بأن ما سيكون لم يكن.

إذا البشرية في جبل الطور وعلى الحافة، قفزتها القادمة في الفضاء. من هذا وغيره طبعا جاء الربيع العربي، وهو حدث لم يحدث قبل في أوطان العرب، كان مثقفون عرب يبشرون بالزوال العربي، فإذا بالربيع العربي يقلب الطاولة، حيث لم تعد النخبة لسان حال ما يحدث، وحيث لم يعد المثقف النافخ في البوق. وبذا المبدع العربي لم يعد الفرد، المفرد بصيغة الجماعة، فكما أن العلم لم يعد (العالم فلان أوعلان)، الإبداع غدا أفقيا.

في كتاب (شمس على نوافذ مغلقة)، ما أشرف علي إعداده ونشره الشاعر الليبي الأمريكي البارز خالد مطاوع، ثلة من المبدعين الليبيين ما بعد ثورة فبراير 2011م، وهم شباب وشابات في أوائل العقد الثالث من العمر.

كتبتُ دراسة احتوها الكتاب، حيث تبين لي أنه ليس ثمة كاتب في السرد أو الشعر، النوع بدأ يضمحل لصالح الإبداع، كما لم يعد هناك مبدع أو مبدعة مبرزة، بل هناك حالة إبداعية كما النهر يشكله العديد من المصبات، الأنهر أو الشلالات، غدت الكتابة الإبداعية شبكة مبدعين. كما حدث مع اللغة (منزلة الإبداع) حيث الشبكة حطمت الحدود، فمثلا اللهجة والفصحى التي من أصل واحد، اندغمت في النصوص، ومن دوافع ذلك السوشل ميديا، ما أيضا فككت العلاقة بين النص والمبدع الواحد الأحد.

لقد ظهر مبدع مغيب هو القارئ/ المتلقي، من غدا جزءًا من النص، حيث ينشر النص من خلال المبدع في حاله الأول، فيتشارك وشبكة متلقيه في تنقيحه ومراجعته، لقد تحطمت الحواجز.... ومن هذا ثمة إبداع ليس ما بعد الحداثة فحسب، بل إبداع ما بعد ماعرفنا حتى الآن، حيث هذه المعرفة بالضرورة من الماضي ما زال، أما المعرفة القادمة فما لم نعرف بعد...

ما بعد الحداثة تم نثر العالم، كما في عصر الرومانسية بدأ بزوغ السرد، حتى أن الشعر أمسي قصيدة نثرية، كل هذا حدث مع هيمنة المركز الأوربي، وسيطرة المطبعة في عالم من ورق، في ذلك العالم دفنت الملحمة والمطولات الشعرية، ووضع المسرح في ركينة السينما والتلفزيون، في عالم من صورة.
الرقمية الآن وهنا تمحو عالم ما نعرف، وفي الحاسوب ثمة عالم افتراضي هو العالم الواقعي الحقيقي الذي نرى، لقد أصبحنا نوعا ما كائنات افتراضية، في هكذا تبرز متناقضات لا نستوعبها، لقد نثر كل ما نشعر به وتعرى، والغامض فيه والشعري التهمته السبرانية، نحن نرى ما لم نر، لا غامض بعد اليوم.
الشعر الشعور الميتافيزيقي، ما عشناه في الكهوف والمعابد، لم يعد نفس الشعور، الرواية/ جدتنا الأولى تغذينا بالمعرفة، معرفة ما حدث ولم يحدث، الرواية تقتلعنا من حالة العجلة الضرورة التي نعيش، وكأنها النص المفتوح ما بلع كل الأنواع، ففي الرواية كل ما نرغب وما لا نتوقع، الرواية الواقع في عالم افتراضي.

• وفكرة
1
أشار عليه رينيه شار؛
أن يأخذ الحكمة،
من أفواه الشعراء.
من يقفز إلى النار،
لا يمتلك سوى صرخته
ملجأ.
لم يتمكن من الحكمة،
لكن صرخته جلجلت.

2
القمر الخجول ؛
أزاح فسحة صغيرة ،
من ستر العتمة.
ابتسم لي، ثم
أودعني خيط ضوء فضي،
للمرأة التي في كنف الظلمة.

تعليق
الشعر الذي ليس من الكلام هو الكلام، والحب الذي ليس من الوجود هو من وجودنا؛ وإذا التقى الذي ليس من الكلام بالذي ليس من الوجود صارا وجودنا المتعالي أو وجودنا الخالص، والخلاص الذي ننشده ونشد عليه بالنواجذ ساعة يشتد المد، النفس الأخير للغريق من تكتسحه موجات بحر الظلمات المترادفة.
اشتد أوار المعركة؛ ثلة من المقاتلين الليبيين حاصرها جحفل من الجيش الفاشستي الإيطالي.

من عادة المقاتلين الليبيين أنهم يقتحمون محاصريهم، عند الاقتحام يغني كل فرد "غناوة علم" أغنية من بيت واحد ذاكرا فيها اسم معشوقته، إذا استشهد ينقل الناجون الغناوة إلى نجع الشهيد حيث تبكي المحبوبة قتيلها.

ذات مرة أحدهم عزم على شق الحصار بآخر سهم في جعبته؛ جسده. لكن لم يكن قلبه قد عمر بعد، لم يتسن له لحظة ليختلي بنفسه، لم يختل بمحبوبة، ولج أتون العدو شاقا متراسه صفا صفا وصرخته تجلجل: (نا خالك يا للي ما لك خال)؛ أنا حبيب من لا حبيب لها.
هذا الشهيد لم تكن قصيدة حبه غير البيت المفرد هذا.

سمعت البيت المفرد؛ ممن سمع من نساء، شابة في النجع لم يكن قلبها قد سكن بعد، منحت هذا القلب وكذا الجسد لصاحب ذاك البيت المفرد؛ عمر قلبها بهذا الساكن وسكن الجسد، كانت خليلة لمناديها حتى ناداها باريها.
البعض يوكد مخبرا أنهما التقيا، الرواية ذكرت الأسماء لكن الزمان مصاب برشح النسيان أو الغيرة لم يعد يذكرهما، لكن السارد دس حكايتهما عن عيني الزمان.