Atwasat

المرتزقة والمتطوعون

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 08 مارس 2020, 02:33 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

يُعرَّف المرتزقة بأنهم «جنود محترفون يقاتلون مع دولة أجنبية مقابل أجر». ولذا يطلق عليهم أحيانا «جنود الحظ» كما يطلق عليهم أيضا «الأسلحة المأجورة»، ويطلق على الأموال التي يتقاضونها «أموال الدم».
ظهور المقاتل المرتزق قديم قدم تاريخ الحروب بين الدول. فأقدم استخدام موثق تاريخيا لهم كان في حوالي 2500 ق. م من قبل الفراعنة. وكان يطلق عليهم «النهابون». وقد جرت الاستعانة بهم سنة 1288 ق. م من طرف الفرعون رمسيس الثاني في معارك مصر ضد الحيثيين. ثم سار المصريون على نهج الاستعانة بالمرتزقة من مناطق شتى، خصوصا من بلاد الإغريق. وثمة أمثلة من بلدان أخرى، مثلما حدث أثناء حروب الفرس واليونان بين سنتي 492 و478 ق. م، حيث استعان الفرس بعشرة آلاف مرتزق يوناني لغزو اسبرطة. كما سلكت السلوك نفسه روما وقرطاج.
في عصر التنوير الأوروبي، ومع تكون الدول القومية وظهور الديمقراطية، برزت الفكرة القائلة بأن الخدمة العسكرية ينبغي أن تكون مرتبطة بالمواطنة.
لكن استخدام المرتزقة لم يختفِ، بل أخذ يتحول مؤخرا إلى عمل «مؤسسي» احترافي متمثل في الشركات الأمنية التي تتعامل كأية شركة أخرى من شركات البناء أو النفط أو الزراعة، فتقدم خدماتها لأية دولة ترغب في ذلك.
ينبغي التفريق بين المرتزقة الذين يقاتلون من أجل المال والمتطوعين الذين يتطوعون للقتال في بلدان أخرى بناء على قناعات سياسية وأيديولوجية. كالمتطوعين من مناطق شتى في أوروبا وأمريكا للقتال إلى جانب الجمهوريين في الحرب الأهلية الإسبانية 36- 1939، والعرب والمسلمين الذين تطوعوا للقتال في فلسطين ضد الصهاينة سنة 1948، والمتطوعين الأمميين الذين انضموا إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والذين تطوعوا للقتال في أفغانستان ضد القوات السوفياتية في عقد الثمانينيات. فهؤلاء لا يعدون مرتزقة لأنهم يقاتلون من أجل نصرة مبادئ وقناعات يلتزمونها، وليس من أجل المال.
كما لا يعتبر مرتزقة المقاتلون الذين تجندهم الدول المستعمرة من مستعمراتها قسرا وتستخدمهم في غزو أوطان أخرى، مثلما فعلت إيطاليا مع المجندين الإريتريين الذين استخدمتهم في قتالها ضد المقاومين الليبيين سنة 1912، ولاحقا عندما جندت الليبيين قسرا للقتال في الحبشة سنة 1935. لأنهم جندوا وأرسلوا ضد إرادتهم.
كما لا تعتبر القوات التابعة لدولة ما التي تدخل دولة أخرى (غالبا بطلب من حكومة قائمة حليفة) مرتزقة. لأنها تتبع دولة ويتقاضى أفرادها رواتبهم من حكومات دولهم، وليس مقابل أموال تدفع لهم كأفراد من قبل الدولة المستقبلة. على غرار التدخل السوفياتي في المجر سنة 1956، وتشيكوسلوفاكيا سنة 1968، والتدخل الأميركي في فيتنام الجنوبية (آنذاك) سنة 1961، والتدخل المصري في اليمن سنة 1962 والتدخل الليبي في أوغندا ضد تنزانيا سنة 1979.
بتطبيق المعايير المقررة أعلاه على الحالة الليبية، يعتبر المقاتلون السوريون الذين يقاتلون إلى جانب حكومة الوفاق الوطني، وعناصر شركة فاغنر الروسية الأمنية والجنجويد السودانيين وعناصر المعارضة التشادية، الذين يقاتلون إلى جانب ما يسمى الجيش الوطني، جميعا مرتزقة. في حين لا يعد مرتزقة العسكريون الأتراك، الذين يدعمون حكومة الوفاق الوطني، والعسكريون المصريون والإماراتيون الذين يساندون ما يسمى الجيش الوطني، لأنهم يتبعون دولا ولم يأتوا كأفراد سعيا وراء المال.
إلا أنه ينبغي الأخذ في الاعتبار، أن العسكريين الأتراك أرسلتهم دولتهم بناء على مذكرة تفاهم معلنة بينها وبين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا على أنها الحكومة الشرعية الوحيد المسؤولة، قانونيا، على كامل التراب الليبي والممثل الشرعي الوحيد (ودائما من ناحية قانونية) للشعب الليبي بأسره. في حين أن الدعم العسكري المصري والإماراتي يأتي لصالح طرف لا يكتسب الشرعية الدولية، وبالتالي يكون دعما مخالفا للقوانين الدولية.