Atwasat

وقف إطلاق النار

نورالدين خليفة النمر الأحد 23 فبراير 2020, 12:39 مساء
نورالدين خليفة النمر

أكد مشروع القرار الصادر عن مجلس الأمن 19 فبراير 2020 "ضرورة وقف دائم لإطلاق النار في ليبيا، في أول فرصة ومن دون شروط مسبقة". كما دعا مشروع القرار المنظمات الإقليمية إلى بحث كيفية دعمها للأمم المتحدة في مساعيها السياسية وإمكان الإشراف على ذلك. ولكن وقف إطلاق النار الذي لا يمكن تنفيذ أحكامه ليس بوقف لإطلاق النار بتاتا. فوقف إطلاق النار The Cease- fire الذي تتداوله اللغة الدبلوماسية الدولية يعادل تماماً وقف العمليات الحربية إما بشكل نهائي وإما بشكل مؤقت على سبيل الهدنة truce وهي هدنة مؤقتة لها طابع عسكري ميداني، وقد تتطور إلى هدنة دائمة armistice فالهدنة التي أعلن الطرفان المنخرطان في الحرب الطرابلسية اعتداء ودفاعاً عن النفس، القبول بها في 12 يناير الماضي، تتعرّض لخروقات مستمرة من القوات المساندة بالغرب الليبي لقيادة الرجمة التي تبعد 1000 كيلومتر في الشرق الليبي. فقد عدّدت البعثة الأممية أكثر من 150 خرقاً منذ تاريخ 12 يناير. والخرق الفادح كان الهجوم بقذف صاروخي على ميناء طرابلس يوم 18 فبراير وحسب إفادة مديرية الشرطة بها، فإنه أودى بحياة ثلاثة من عناصر الأمن من العاملين في الميناء، وكاد يؤدي إلى كارثة إنسانية لو أصابت القذيفة الصاروخية ناقلة محملّة بغاز الطهي ذي الانفجارية الشديدة. ورغم هشاشة وقف إطلاق النار إلا أنه يمكن تسميته هدنة truce لأن الطرفين المتحاربين لم يتقدما من مواقعهما ماقبل قرار مجلس الأمن .

قيادة مُسمى الجيش الليبي، التي تلبّست منذ 4 أبريل 2019 حرب القبائليات والزبونيات بالغرب الليبي على العاصمة طرابلس، تعتبر طاولة المفاوضات امتدادًا للحرب التي تهدف إلى السيطرة على البلاد، فإيقاف إنتاج النفط من قبل جماعات قبلية مدفوعة من قائد مليشيا الكرامة في يوم انعقاد مؤتمر برلين الأخير، يرسل بالفعل رسالة مفادها أن الحرب لا تزال خياره الأساسي، وهذا ينعكس في هشاشة وقف إطلاق النار والمبادرات المستمرة للحلول السياسية.

بعد اتصالات أجراها السفير الأميركي لدى ليبيا، مع رئيس المجلس الرئاسي عقِب اجتماعه بقائد مُسمى الجيش الليبي لتقديم قراءة كاملة للاجتماع ومناقشة آفاق التوصل لوقف دائم لإطلاق النار، أعلن عن استئناف اجتماعات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) في جنيف. وقد أكد في 20 .02 .2020 مبعوث الأمم المتحدة ورئيس بعثتها للدعم في ليبيا، أن طرفي اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) يعملان الآن على إعداد مسودة لوقف مستدام لإطلاق النار .

المشكلة التي تواجه أية عملية وقف لإطلاق النار، وبالتالي إلقاء التبعة الجنائية عن الطرف الذي يعطلّه وينتهكه كما في حالة الحرب على طرابلس أسوة بنزاعات دولية مشابهة، أن تتداخل الديمغرافية السكانية للحرب في بعضها بشكل فوضوي تمّحي فيه الحدود الطوبوغرافية بين الأطراف المتحاربة. فغالباً ما تستمر انتهاكات وقف إطلاق النار، وتتكرر جزئيا، بسبب اقتراب الخطوط الأمامية لبعض التعسكرات. التي تصل في بعض الحالات، إلى 100 متر فقط. هذا يخلق حالة تبادل مستمر لإطلاق النار. لذلك، تحاول الجهة المراقبة فك الارتباط على امتداد خط الاتصال .

في الحرب على العاصمة طرابلس تتفاقم تعقيدات الطبوغرافيا بفوضى غموض الديموغرافيا. وهي مسألة غالباً مايتم السكوت عنها من أطراف النزاع. فالقوة المهاجمة الفعلية القبائلية من دواخل طرابلس، التي مازالت زبونيتها تتربط بالنظام الدكتاتوري الساقط 2011 ، في صالحها أن تتلفع راية هجومها بمسمى قائد الجيش الليبي، حتى تُغدق عليها الأموال والأسلحة من الأطراف الإقليمية المتوّرطة لتحقيق مطالبها في اقتسام ثروة المصرف المركزي كما أعلنت في هجومها الفاشل عام 2018، التي رفضت تبني مُسمى قائد الجيش له، الذي وجد تبنيهم له فرصة سانحة في هجوم 2019 ـ 2020، لفرض نفسه أمام القوى الدولية الداعمة له لتمديد سيطرته على العاصمة طرابلس، حتى يرجع النظام العسكري إلى ليبيا، ويتبوأ فيه مركز الدكتاتور الحاكم. حكومة الوفاق في طرابلس يفيدها أن يتشخصن هجوم القوات القبائلية المهاجمة بمسمى قائد الجيش من شرق ليبيا. فهذا يُخسرها مشروعية مطالبها المادية. كما أنها تستخدم هجومه ورقة لكسر شوكة الميليشيات التي بكل تصنيفاتها مهيمنة على طرابلس، والتي تلاشى حضورها لصالح قوات وزارة الداخلية .

حرب طرابلس العبثية، أبرزت للعيان ظاهرة سوسيولوجية ينبغي أن تؤخذ بجدّية وتتركز عليها جهود الباحثين الليبيين بعد انتهاء الحرب. وأعني الغموض الديموغرافي المتوغل في طبوغرافيا العاصمة طرابلس في انقسامية الضواحي والدواخل إزاء المدينة بعدة آليات عفوية بسبب الوظائف الحكومية وإزدهار الأعمال الحرة التي رفعت مداخيل الشريحة الفقيرة في المجتمع، إلى جانب الهجرة إلى النفط منتصف القرن الـ 20، التي فقدت مركزية مجالها الحضري. وببرمجة من قبل النظام الدكتاتوري الساقط عام 2011. أبرزها الإسكان الشعبي العشوائي الذي لم يكتف أن يكون بديلاً عن الأحزمة الصفيحية، بل انتشر كبقع سرطانية في حضريات المدينة، تبعته العسكرة التي كثفتّ تجنيد أبناء الأرياف وإسكانهم في مجمعات عمودية، تشبه كيبيوتزات مغلقة، إزالة مزارع مستوطنات كولونيالية بعد إجلاء الطليان 1970 قسمها مُلاّكها لتكون إضافة إلى الأحياء السكنية الكثيفة بجهويات محدّدة .