Atwasat

نبضات متقاطعة 17- سنة 1965

محمد عقيلة العمامي الإثنين 13 يناير 2020, 10:46 صباحا
محمد عقيلة العمامي

حكومتا السيد محمود المنتصر والسيد حسين مازق اللتان امتدتا من 12 يناير 1964 إلى 19يوليو 1967 أولتا اهتماما واضحا بالشباب سواء على مستوى التعليم أو مستوى الإعداد، فلقد كثرت المشاركات الشبابية الإقليمية والعربية والعالمية، وأيضا الدعم الواضح للتعليم خصوصا الجامعي. وظلت وزارتا العمل والشئون الاجتماعية في الحكومتين مستمرتين في عملهما بالوزير نفسه وهو السيد عبد المولى لنقي، فكان من مشاريع تلك الوزارة على سبيل المثال وليس الحصر، النشاط المتكامل الذي عاصرته في أندية إقليم بنغازي الرئيسة، وإن النشاط اشمل عددا من المدن الليبية؛ غير أنني لا أتابع إلاّ منافسات نوادي بنغازي، التي أذكر منها الأهلي والهلال والتحدي فقط، فقد تكون هناك أندية أخرى سقطت من ذاكرتي الآخذة في الاهتراء!.

وعلى الرغم من أنني هلالي الهوى، إلاّ أنني تابعت فقرات مما قدمه نادي التحدي وتوقعت أن تكون الجائزة له، أو على الأقل تمنيت ذلك، فلقد كانت برامج النادي الثقافية متميزة وجديدة، وأعترف أنني لم أكن أعرف شيئا عن شعر المتنبي قبل تلك المحاضرة التي قدمها خليفة الفاخري، الذي بدأت كتاباته في صحيفة الحقيقة، متزامنة مع هذا النشاط، ومن خلال ما جرى من نقاش بعد هذه المحاضرة انتبهت إلى اهتمام الحضور، خصوصا عبدالقادر غوقه، ومفتاح الدغيلي ومقدرتهما على استظهار أشعار المتنبي، بعدما دار نقاش مسهب حوله من بعد المحاضرة.

ويعود السبب في نجاح تلك التظاهرة الثقافية الناجحة في نادي التحدي، هو أنه تأسس على نواة الصحيفتين الحائطيتين (الرأي) و(المتنبي)، اللتين كتب فيهما صادق النيهوم أيضا؛ وكان يشرف عليهما الفاخري، ومحمد حسين كانون، ومفتاح الدغيلي وهم من قاموا بالمناسبة بجهد كبير في نجاح تظاهرة نادي التحدي الثقافية، والجميل أن صداقة هؤلاء الثلاثة الكبار عميقة متواصلة منذ ستينيات القرن الماضي حتى الآن ما بين كانون، والدغيلي، وذكريات الفاخري. الأستاذ محمد كانون، تخرج في كلية الاقتصاد والتجارة، في بنغازي ثم تعين بالتأمين الاجتماعي واستقر زمنا في بنغازي، قبل أن يعود إلى مسقط رأسه في طرابلس.

لقد أخرج الأستاذ محمد كانون مسرحية "عهد الشيطان" لتوفيق الحكيم، وهي التي شارك النادي بها في المسابقة، ولم تكن الأنثى قد اقتربت من التمثيل في ذلك الوقت، بل كانت فتيات المدرسة الثانوية ينطلقن نحو مدرستهن بحجاب أسود يغطى الوجوه، وهو ما كان يسمى (البيشا) أما السيدات فكن يتحركن بتلك العباءة فيبدين عند مرورهن كخيم متحركة، وأحيانا تكون سوداء اللون وهو ما يسمى بـ (الجربي) نسبة إلى مدينة جربة التونسية. وبسبب غياب المرأة قام الفنان الطاهرعمر بدور الأنثى، وقام الفاخري بدور الفيلسوف وفتحي سويري بدور الشيطان ولاقت المسرحية نجاحا كبيرا، خصوصا من بعد خاتمة فكاهية بارعة وتلقائية خارجة عن النص تمثلت في مشهد فكاهي ما بين الفيلسوف، وزوجته نفذت باللهجة الليبية، استمتع جمهور الحاضرين بقفشاتها، وظلت حديث النادي لأيام. وبسبب الحالة الاقتصادية، قام فتحي سويري بإعداد المسرح من أخشاب هي في الأساس لأعمال بناء قريبة من النادي!

وقدم الهلال، أيضا، محاضرات ثقافية ساهم الأستاذ سالم الكبتي في الكثير منها محاضرا، ومشاركا ومقدما لها، أما في النادي الأهلي فلقد كان للأستاذ أحمد القلال، والأستاذ محمد حمامه، وأيضا المهندس محمود الكيخيا الدور الأبرز في نشاط النادي الثقافي.

وتعد سنة 1965 بدء الزخم الثقافي الذي قدمته صحيفة الحقيقة التي صدرت في تلك السنة، وخلالها برزت فيه كتابات صادق النيهوم، فأصبح القراء، خصوصا طلاب الجامعة وأستاذتها، ينتظرون وصول العدد إلى مكتبة الخراز خشية نفاده. صادق النيهوم كان من نجوم منطقتنا، قبل أن نقرأ له ما كتب في الحقيقة، كنا نرى فيه البطل، السباح، المثقف النابغة الذكي؛ ولقد تميز بقيافته البسيطة، هي التي اشتهر بها الممثل الذي رحل في ذلك الوقت "جيمس دين" وتتلخص في بنطال جينز أمريكي، وسترة صوفية برقبة، كالتي تميز بها الكاتب "أرنست هيمنجواي" في ذلك الوقت، وصادق النيهوم بالمناسبة هو من قدم لنا هذا الكاتب، وغيره من كتاب الغرب، وإن كان قد قدم وبإسهاب فكر الكاتب الفيلسوف (إيرك فروم).

كان النيهوم يمر من أمامنا، في قهوة سي عقيلة، بخطوات متأنية، وكتاب في يده، وهو في طريقه إلى جليانه حيث دار "سي سليم العربي" الذي فقد رجله نتيجة التواء حبل توثيق سفينة، فلقد كان بحارا، وأفنى بقية عمره في مصيف جليانه، حارسه ودائم الإقامة به. صادق النيهوم يكبرني بحوالي سبع سنوات، وكنا نسمع عنه حكايات لم نكن نعلم أنها مبالغ فيها، منها ما يقال أنه تجاوز أساتذة الجامعة وتعليمهم حتى إنهم منحوه شهادة التخرج وهو في السنة الثانية، وقرروا إيفاده للدراسة في الخارج! في الحلقة القادمة سنتناول صادق النيهوم وخليفة الفاخري، كنموذجين من كُتاب صحيفة "الحقيقية" .